٣ لؤلؤة منقطعة النظير

ووثب قلب المبشّر من مكانه ظناً منه أن الرب قد استجاب أخيراً إلى صلاته.
"بالطبع ، سأذهب معك ." أجاب مورس.
"إنني سوف أنطلق إلى دلهي بعد أسبوع كما تعرف"، قال رامبهو بعد أن أصبح على مقربة عشر دقائق من بيته. وهبط قلب المبشّر عند سماعه ذلك! وبعد وصوله إلى البيت، أُجلِسَ على كرسي كان صديقه قد صنعه من قبل خصيصاً له وقد جلس عليه مرات عديدة ليشرح له طريق الله إلى السماء.
ترك رامبهو الغرفة ليعود إليها بسرعة وهو يحمل صندوقاً صغيراً ثقيلاً ومتيناً إنكليزي الصنع.
"لقد مضى على وجود هذا الصندوق بحوزتي أعوام عدة "، قال رامبهو. "إني أحتفظ بداخله شيء واحد. والآن سأحدثك عنه. يا صاحبي مورس ، لقد كان لي فيما مضى ابنٌ."
"ابن! ولماذا لم تحدثني عنه من قبل يا رامبهو؟"
"لا، يا صاحبي، لم يكن بقدرتي أن أفعل ذلك من قبل." قال جامع اللآلئ ذلك وقد أخذت عيناه تغرورقان بالدموع. "إنما الآن يجب أن أحدثك عنه لأنني قريباً سأرحل ولا أحد يعلم إذا كانت ستكتب لي العودة. لقد كان ابني غطاساً أيضاً. كان أفضل غطاس باحث عن اللؤلؤ على شواطئ الهند. لقد كان يمتاز بأسرع غطسة، وأمضى عينين، وأقوى ذراع، وأطول نفس من أي رجل آخر باحث عن اللؤلؤ. لقد ملأ قلبي بالفرح. كان يحلم دائماً بأن يجد لؤلؤة تفوق حسناً أية لؤلؤة أخرى سبق لها أن وجدت. ولقد وجدها ذات يوم. ولكنه حين وجدها كان آنذاك قد أمضى تحت المياه وقتاً طويلاً جداً. لقد أدى ذلك فيما بعد إلى فقده لحياته." وأحنى الغطاس العجوز رأسه بينما أخذ جسده كله يرتعش لفترة من الزمن. ثم تابع قائلاً، "لقد احتفظت باللؤلؤة طيلة هذه السنوات، ولكني الآن راحلٌ ولن أعود .. وأريد أن أقدم لؤلؤتي هذه لك أيها الصديق العزيز."
وعالج الرجل المسن التركيبة الرقمية الخاصة بالقفل ثم أخرج من الصندوق بحذر رزمة ملفوفة. وبعناية فائقة أزاح غلافاً من القطن ليمسك بأطراف أصابعه لؤلؤة ضخمة يقوم بوضعها فوراً بين يدي المبشّر. والحق يقال أنها كانت واحدة من بين أكبر اللآلئ التي وجدت على شواطئ الهند، وكان بريقها وتألقها أعظم من بريق وتألق اللآلئ الاصطناعية. لؤلؤة لو عرضت في أي سوق لجلبت بالتأكيد لصاحبها ثمناً خيالياً.
وللحظات تلعثم لسان المبشَر وعجز عن التعبير وهو يحدق بهلع. "رامبهو ، إنها لؤلؤة رائعة . لؤلؤة مدهشة. دعني أشتريها منك. سأعطيك عشرة آلاف روبية ثمناً لها."

لؤلؤة منقطعة النظير ٤

"يا صاحبي"، قال رامبهو، وقد تصلب كل جسده، "هذه اللؤلؤة هي أعظم من أن يكون لها ثمن. ليس هناك لدى إنسان في العالم ما يكفي من المال لدفع الثمن الحقيقي لهذه اللؤلؤة، وإن مليوناً من الروبيات لن يكفي لشرائها لو عرضت في السوق. أنا لن أبيعها. يمكنك الحصول عليها فقط كهدية."
"لا يارامبهو، لا يمكنني قبول ذلك. إن رغبتي في الحصول على هذه اللؤلؤة عظيمة جداً ولكني لا أستطيع قبولها على هذا الشكل. ربما تعتقد أن مردّ ذلك هو اعتدادي بنفسي ولكني لا أرغب بالحصول عليها بهذه السهولة. إنني أفضّل أن أعمل لأستحق الحصول عليها."
وبدا الذهول على وجه الغطاس ثم قال: "يبدو أنك لا تفهم يا صاحبي ما تعنيه لي هذه اللؤلؤة. ألا ترى؟ إن ابني الوحيد قد بذل حياته للحصول على هذه اللؤلؤة، وأنا لن أبيعها بأي ثمن. إن قيمتها الحقيقية هي دم وحياة ابني. ليس بمقدوري بيعها، ولكن اسمح لي بأن أقدمها لك. ما عليك إلا أن تقبلها كرمز للحب الذي أكنّه لك."
ولبرهةٍ شعر المبشّر وكأنه قد أصيب بصدمة ولم يعد يستطيع الكلام، ولكنه بعد ذلك قبض على يد الرجل العجوز وقال له بصوت منخفض، " رامبهو، ألا ترى أن هذا هو بالضبط ما كنت تقوله لله." وتطلّع الغطاس بنظرةٍ مليّة إلى وجه المبشّر وكأنه يبحث فيه عن شيء ما، ثم ظهرت على وجهه إمارات تشير إلى أنه أخذ يفهم الحقيقة. آنذاك خاطبه المبشّر قائلاً: "إن الله يقدّم لك حياة أبدية كهدية مجانية. هدية عظيمة لا تقدّر بثمن ولا يستطيع إنسان على هذه الأرض شراءها. لا يستطيع إنسان على هذه الأرض أن يربحها بجهده. وليس هناك إنسان صالح كل الصلاح لدرجة يكون فيها مستحقاً لها. لقد كّلفت الله دم وحياة ابنه الوحيد ليؤمّن لك الدخول إلى السماء. إنك لو حججت مئة مرة فلن تستطيع أن تدخل الجنة. كل ما يمكنك فعله هو أن تقبل العطيّة كرمز لمحبة الله لك أنت الإنسان الخاطئ. إنني أقبل بالطبع يا رامبهو اللؤلؤة بكل تواضع رافعاً دعائي إلى الله أن يجعلني مستحقاً لمحبتك. أفلا تقبل أنت أيضاً يا رامبهو، من الله وبكل تواضع، عطية الحياة الأبدية العظيمة رغم معرفتك بأنها قد كلّفته موت ابنه ليقدمها لك؟"
"وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا." (رومية 6 : 23 )
وانحدرت الدموع على وجنتي الرجل العجوز . لقد رُفِعَ الحجاب عن بصيرته واستطاع أخيراً أن يفهم.
"يا صاحبي، إنني أرى الآن. إني أؤمن بأن المسيح قد بذل نفسه من أجلي. إني أقبله."

"شكراً لله على عطيته التي تفوق الوصف"
(2 كورنثوس 9 : 15)

"لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ  كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ"
(يوحنا 3 : 16)

النهاية