بل " هناك ابتلى المؤمنون و زلزلوا زلزالا شديدا
" ( الأحزاب 11 ) . و لم يتم النصر بمعركة ، بل تم
بفشل حصار المشركين للمدينة . لقد فوجىء المشركون ، فى
زحفهم على المدينة ، بالخندق الذى أشار بحفره سلمان الفارسى
" النصرانى " . و لا عهدة للعرب بمثلها . فوقفوا
تجاهه جامدين .
و تم الفشل بهذين السببين : " يا أيها الذين آمنوا
، اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود ، فأرسلنا عليهم
ريحا ، و جنودا لم تروها ، و كان الله بما تعلمون بصيرا
" ( 9 ) .
علق عليها الاستاذ السمان 1 : " إن نزول الملائكة
، فى حد ذاته ، لا يعتبر معجزة . لأن المعجزة أمر خارق
للعادة يجريه الله على يدى رسوله ، و تراه العين للرد
على التحدى ، أو للدليل على أن رسالته حق . و الملائكة
لم يرها الكفار حتى تكون آية عليهم ، و لم يرها المسلمون
حتى تكون تثبيتا لإيمانهم . و لذلك أكد القرآن فى الآية
: ( و أيدكم بجنود لم تروها ) .
" و الريح التى أرسلها الله فى يوم الخندق ، من
الحوادث العادية التى يمكن حدوثها فى أية ساعة ، و ان
كان الله عز و جل جعلها فى هذه المرة وسيلة لهزيمة الأعداء
" .
لكن السبب الأكبر ، بعد حفر الخندق ، فى فشل الغزو كانت
مهارة محمد فى الايقاع بين الاحزاب ، كما نقلته سيرة ابن
هشام على ابن اسحاق . فلما جاءه نعيم بن مسعود مسلما ،
أوصاه أن يكتم إسلامه ورده الى المشركين يوقع بينهم .
و قال له : " إنما أنت فينا رجل واحد فخدل عنا إن
استطعت ، فإن الحرب خدعة " . فقام نعيم الى يهود
بنى قريضة ثم الى قريش و عطفان فأخلف بينهم . و قد كانوا
توافقوا على أن يطبقوا من داخل و من خارج على المسلمين
، ففشلت خطتهم . و أفلح محمد فى فصم عرى التحالف بين الاحزاب
المجتمعة فتخاذلت و ارتحلت . و كان شعار محمد فى هذه الدبلوماسية
: " الحرب خدعة " . و هذا حديث صحيح متواتر
رواه الشيخان من حديث جابر و أبى هريرة . لكن الخدعة فى
الحرب ليست معجزة .
فليس فى فشل الغزو حادث خارق للعادة ، و لا سبق به التحدى
دليلا على النبوة ، و لا هو سالم من المعارضة . كان براعة
من محمد لا معجزة من الله . و قد يكون فى الريح أو الجدرى
عناية إلهية ظرفية ، لا معجزة للتحدى و إثبات النبوة .
|