١٤ عقيدة الثالوث القويمة

ليس متوقفا على حقيقة راهنة كما هي متوقفة على إرادة الناظر إليها وأن ما يطلبه الفكر هو تعدد أو تنوع حقيقي كحقيقة الوحدة نفسها لا تنوع يتوقف على إرادة الناظر إلى ذلك الأمر .

أما الملاحظة الثانية فهي أن الديانة المسيحية لا "تقنم" الصفات كما يتوهم المسلمون . وهذا الوهم أي زعمهم أننا نجعل "الآب" موضع العدل مثلا "والابن" موضع الرحمة وهلم جرا خطأ محض قديم العهد في كتب الإسلام يجب إزالته من الأذهان إذ لا أساس له في التوراة ولا في علم اللاهوت .

(٣) ورب معترض يقول أن تنوع الوحدة لا يكون إلا في الماديات فقط . ولكنا نجد من الجهة الأخرى أن روحانية الكائنات تزداد أطرادا بتنوع كل درجة كلما ارتقينا في سلم الخلائق الحية فغير الحية فالحاسة فالعاقلة . فماذا يمنعنا إذا من القول بأننا عند وصولنا إلى الوحدة العليا ـ أي الله الذي هو روح محض ولا محل للمادة فيه ـ نجد من الممكن إطلاق التنوع على وحدته . على أن هذا التنوع يفوق تنوع سائر الخلائق بدرجة تفوق التصور . وبعبارة أخرى أنه تعالى فائق في تنوعه كما هو فائق في وحدته . ولا شك أن هذا

عقيدة الثالوث القويمة ١٥

التنوع في الأقانيم أو الوجدانات ينطبق عى المبدأ الذي وضعناه حالة أن التنوع في الصفات المجردة لا ينطبق كذلك .

(٤) ولقد يقول معترض بأننا متى تركنا عالم الماديات زال من أمام نظرنا عالم الخلائق الآلية وزال معه البرهان المتوقف عليها .

والجواب على ذلك ـ لماذا نرفض نسبة "الآلية" إلى الإله ولا نرفض نسبة "الوجود" أو "الحياة" إليه فالوجود صفة يجوز نسبتها إلى أدنى أنواع الأشياء . والحياة هي صفة للخلائق الحية سواء كانت من النوع الأدنى أو الأعلى . ومع ذلك فإننا ننسب كلا الوجود والحياة إلى ذات الله . فلماذا لا ننسب إليها أيضا "الآلية" (الوحدة المتنوعة) وهي تزداد كلما ارتقينا سلم الخلائق الحية ؟

وهذا السؤال يفضي بنا إلى الاعتراض الثالث على عقيدة التثليث المسيحية وهو نسبة التركيب والتجزئة إلى جوهر الله .

الاعتراض الثالث والرد عليه

وإذا قيل أن التثليث يقتضي نسبة التركيب والتجزئة إلى جوهر الله . قلنا كلا . وما يأتي يكفي لدحض هذا الاعتراض .

اعلم أن الأشياء القابلة للتجزئة هي التي يمكن تجزئتها بدون