٤٦ عقيدة الثالوث القويمة

ذلك المظهر المكاني ؟ وفضلا عن ذلك ـ هل يعتقد أحد أن ظهوره تعالى في ذلك المظهر استنفذ كل حضوره بحيث لم يعد في الإمكان أن يكون حاضرا في موضع آخر ؟ إن موسى رأى النار في العليقة وسمع صوتا يناديه منها . واسرائيل رأى السحابة النارية في قدس الأقداس وكلاهما سجد معتقدا أن الله حاضر فيما رآه (وذلك كان الواقع) ولكن لم يخطر ببال أحد منهما أن السموات كانت لحظتئذ خالية من حضور الله بل وجدا نفسيهما بإزاء سر غامض ذي وجهتين متناقضتين ظهرا لاحقا .

وكذلك القول في ملاك الحضرة .

والإسلام عالم بهذه الغوامض قدر علم النصرانية بها . فقد جاء في حديث عن النبي أنه شعر مرة بأصابع الله على رأسه . فقوله شعر بتلك الأصابع بمثابة قوله (شعر) بها في مكان معين .

وهذا يفضي بنا إلى عقيدة التجسد في المسيح . وهي نفس ذلك السر . ولكن حالته أسمى وأشرف فإنه يمثل ذات الله في حيز مكاني مع أنه ليس في الحيز ـ متعلق الحضور بموضع معين ولكن غير محصور ـ مؤثرا في الحواس ولكن منزها عنها ـ معلنا لنا ولكن محجوبا بواسطة الإعلان . فيجب أن نقبل كلتا

عقيدة الثالوث القويمة ٤٧

الحالتين ونسجد لله . فالتلاميذ كانوا ينظرون جسم المسيح ولم يروا الله إذ لا أحد يراه ولكنهم رأوا ذلك الذي كان فيه ملء الإله . أما طريقة ذلك فلا نعلمها ولا يمكننا أن ندركها كما هي في نظر الله إذ من يستطيع أن يدرك الأشياء كما هي في نظره تعالى ؟

وأخيرا : إذا اعتبرنا روح الإنسان غير مادية عرضت أمامنا مثل تلك المشاكل . فإنها في الظاهر محدودة في الجسد . ومع ذلك من ذا الذي يستطيع أن يعتبرها متحيزة ؟ هل يمكن قياسها ومعرفة حجمها ومقدار الحيز الذي تشغله ؟ وهل هي ذات شكل ؟ وإذا خرجت من الجسم هل تصعد إلى فوق أم تنزل إلى تحت أم تخرج من النافذة أم تطير شرقا أم غربا أم تذهب إلى موضع آخر ؟ جميع هذه الأسئلة تبين لنا سخافة القول بأن الروح متحيزة وعلى ذلك فهي مقيدة بالجسم وهي أيضا منزهة عن الحيز وذلك مشكل عظيم وإذا كان هذا الأمر على رغم صحته وثبوته غريبا على المدارك فلماذا ننفي وجود علاقة كهذه بين الله والمادة عموما أو الإنسان خصوصا ؟ إن هذا الأمر إنما هو أحد الأسرار الغامضة التي تفوق الإدراك ولكنها لا تناقضه .

قد اعترف علماء المسلمين أنفسهم بأن العلاقة بين النفس