٩٤  

  ٩٥

الفصل السابع

خطة "المقالة في التوحيد" ومنطقها وتحليلها

لما كان يحيى بن عدي قد عرف ﺒ "المنطقي" ، على ما ذكره ابن النديم1 والقفطي2 وابن أبي أصيبعة3 ، فلا بد من أن يكون فكره مبنيا على المنطق ، وأن يظهر هذا المنطق في مؤلفاته . ويكفي تصفح أي مقالة من مقالاته ، للاقتناع بهذه الحقيقة .

وهذا المنطق واضح في "المقالة في التوحيد" . فنرى يحيى يعرض جميع الآراء ، ثم يحللها رأيا رأيا ، لاستخلاص الرأي الصحيح وتمييزه عن الآراء الباطلة . كما أنه يذكر جميع المعاني الممكنة (أو المحتملة) للفظ أو مفهوم ، وإن كانت شاذة أو سخيفة ، فيثبت استحالة جميعها ما عدا معنى واحدا ، ثم يثبت ضرورة هذا المعنى . وكذلك ، فإن عباراته تدل على طريقته . فكثيرا ما يقول : "فيجب ضرورة أن ..." ، أو "لا يخلو أن يكون ..." ، أو "إما ... وإما ..." ، وغير ذلك من أساليب الفكر المنطقي .

وبناء على ذلك ، لا بد من أن تكون "المقالة في التوحيد" ، ككل ، مبنية أيضا على بنيان منطقي قوي واضح . وإن كان يحيى لم يقسم المقالة إلى أبواب وفصول (وهذه للأسف عادته في الإنشاء)4 ، إلا أنه أعطانا العناصر الأساسية للقيام بهذا التقسيم .

وقد حاولنا في تحقيقنا اكتشاف هذا المنطق المكنون ، وتقسيم المقالة وفقا لفكر يحيى بن عدي نفسه ، وآرائه ، وعقليته ، ومنطقه الخاص .

فسنذكر هنا أولا تلك العناصر المنطقية التي وضعها المؤلف نفسه في مقالته . ثم نقدم محاولتنا الشخصية لفهم المقالة وتسلسل الأفكار بها .


1) راجع ابن النديم ص 369/5 .
2) راجع القفطي ص 361/2 – 3 .
3) راجع ابن أبي أصيبعة ج 1 ص 235/9 .
4) وذلك يرجع في رأينا إلى سببين : الأول ، كثرة تآليفه ، وسرعته في التأليف (فقد وضع بعض مقالاته في ليلة واحدة!) . والثاني ، وهو الأهم ، عمق فكره ، مما جعله يعتقد أن القارئ سيرى فورا منطق المقالة ، ويفهمها بمجرد قراأتها .