5 – و فى القرآن شهادة ناطقة غفل عنها القوم حتى اليوم
. ففيما هو يتحدى المشركين بقوله : " قل : لئن اجتمعت
الأنس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا " ( الاسراء 88
) ، نراه يشهد شهادة قاطعة بوجود " مثل " القرآن
فى زمانه ، عند النصارة من بنى اسرائيل : " و شهد
شاهد من بنى اسرائيل على مثله" ( الاحقاف 10 ) .
لاحظ وحدة التعبير ، " مثله " ، فى التحدى و
فى شهادة الواقع التى لا يمكن لأحد ان يمارى فيها – و
هذه الشهادة القاطعة حجة ناطقة على أن القرآن لا يعتبر
اعجازه معجزة له .
6 – و نحن لا نقتصر المعجزة على خاصية و عقلية . بل نستجمع
فى هذا الكتاب وجوه المعجزة جميعها ، لأستكمال النظر فيها أبعد من المتقدمين و المتأخرين .
ففى القسم الأول ، نرى المعجزات الحقيقية : المعجزة الحسية ( أى الافعال المعجزة ) ، و
المعجزة الغيبية ( أى الإنباء بالغيب ) ، و المعجزة الشخصية فى السيرة و النبوة و الرسالة ، و
المعجزة الظرفية من حيث البيئة و شمول الدعوة " حفظ " القرآن ، و المعجزة الذاتية فى التنزيل و فى
التأليف ، و المعجزة الموضوعية فى الهدى و الشريعة و" العلم " و التاريخ ( القصص القرآنى ) . تلك
أنواع ستة تشمل المعجزة من كل وجوهها .
و فى القسم الثانى نرى المعجزة البيانية ، من الأسس الضعيفة
لأعتبار الأعجاز معجزة ( أمية محمد ، القرآن كلام الله
فهو معجز بذاته ، وجه الاعجاز مجهول ) ، إلى حقيقة شهادة
القرآن لاعجازه ، إلى الإعجاز فى فصاحة لغته مع "
غريب القرآن " فيها ، إلى الإعجاز فى بيانه مع متشابهاته
، إلى الإعجاز فى بلاغته مع " متشابه القرآن "
، و ناسخه و منسوخه ، إلى الاعجاز فى جدليته ، مع "
مشكلة و موهم الاختلاف و التناقض فيه " ، إلى الاعجاز
في أسلوبه و نظمه ، و هو نظم الكتاب بحسب الاسلوب الآرامى
، لا العربى . و يأتى فصل الخطاب : ايصح هذا الاعجاز معجزة
الهية ؟
7 – و اننا نستفتح كتابنا بهذا التصريح : اننا نؤمن ايمانا
علميا باعجاز القرآن .
هذا هو موقفنا الذى يجب أن يفهمه كل من يطالع هذا الكتاب
. لكن بما أن المعجزة على أنواعها هى برهان النبوة الأوحد
، يظل السؤال المحرج الذى حير العلماء من مسلمين |