٥٠ معجزة القرآن

هذا ما يصرح به فى السورة السابعة ( التكوير ) ، حيث نجد أول وصف لرؤيا غار حراء : " و انه لقول رسول كريم ... و لقد رآه بالأفق المبين " و قول الرسول الكريم نعرف مضمونه من سورة ( الشورى 52 مع 15 ) حيث يأمره الوحى بالايمان بالكتاب و تلاوته على العرب ، هذا هو الصراط المستقيم الذى يهدى إليه : " و إنك لتهدى إلى صراط مستقيم " ( 52 ) ، " و قل : آمنت بما انزل الله من كتاب ، و أمرت لأعدل بينكم " ( 15 ) ، هذا هو دين ابراهيم و موسى و عيسى الذى يشرعه الله فى القرآن للعرب ( الشورى 13 ) .

يؤكد ذلك منذ مطلع الدعوة ، فى السورة الثامنة ( الأعلى ) حيث يدعو لتوحيد " الرب الأعلى " بدعوة الكتاب نفسه : " إن هذا لفى الصحف الأولى ، صحف ابراهيم و موسى " 18 _ 19 ) . و نجد هذه الدعوة القرآنية بحرفها فى التوراة : " إيل عليون " ( التكوين 14 : 19 _ 20 ) ، فهى صورة التوحيد السامى الأصيل ، الذى يدين به " ملك شاليم " ( القدس ) ، ملكى صادق فى زمن ابراهيم الخليل .

و هكذا بعد عشر سور ، أو مقاطع منها ، فتر الوحى القرآنى أياما أو شهورا أو ثلاث سنين ، على أقوال مختلفة . و ينقل صحيح البخارى إن فتور الوحى كان بسبب وفاة قس مكة ، معلم محمد ، و هو ورقة بن نوفل ابن عم ( أو عم ) السيدة خديجة ، ثرية مكة التى كانت تجارتها تعدل تجارة قريش ، ووليها الذى أزوجها محمدا . فتأثر محمد تأثرا بالغا حتى كاد ينتحر . فجاءت السورة الحادية عشرة ( الضحى ) تعزيه و تذكره بنعم الله عليه : " ألم يجدك يتيما فآوى ! ووجدك ضالا فهدى ! ووجدك عائلا فاغنى " . فالقرآن يذكر لمحمد هداية بمناسبة زواجه من خديجة ، و ما كانت هذه الهداية إلا إلى دين قس مكة ورق بن نوفل ، أى هداية إلى " النصرانية " ، و هى الشيعة بالنسبة إلى السنة المسيحية . و حزن محمد من وفاة معلمه طويلا ، حتى أوشك أن ينتحر ، و هذا الدليل الأكبر مع القرآن على اتجاه النبى العربى فى دعوته . فالوحى القرآنى كان هداية من الضلال إلى " صحف ابراهيم و موسى " كما يفهمها قس مكة " النصرانى " ، الى التوحيد الواحد الوحيد بين " ابراهيم و موسى و عيسى " ( الشورى 13 ) .

فى السورة الثانية عشرة ( الشرح ) ، بعد التعزية عن فتور الوحى ، يأتى الغفران : " ألم نشرح لك صدرك ، ووضعنا عنك وزرك ، الذى أنقض ظهرك " ( 1 _ 3 ) . أيكون هذا الوزر الثقيل فكرة الانتحار التى ساورت النبى فى أزمة الوحى ووفاة معلمه ، قس مكة ؟

معجزة القرآن ٥١

بعد الازمة ، جاء وقت تحديد الدعوة . فحددها سلبا فى السورة الثامنة عشرة ( الكافرون ) حيث يعلن تبرؤه من شرك قومه : " يا أيها الكافرون ... لكم دينكم و لى دين " . فما هو دين محمد ؟ يحدده ايجابا فى السورة الثانية و العشرين ، ( الاخلاص ) ، حيث يعلن التوحيد الكتابى الخالص ، بحرفه العبرانى : " قل : هو الله أحد " كما ورد فى التوراة ( سفر التثنية 6 : 4 ) و فى الانجيل ( مرقس 12 : 29 ) : " يهوه الهنا هو الله أحد " و هى شهادة التوحيد عند بنى اسرائيل ، من يهود و " نصارى " و الشاهد على صحة هذا المصدر قوله : " أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بنى اسرائيل " ( الشعراء 197 ) ، الذى يفسره قوله : " بل هو آيات بينات فى صدور الذين أوتوا العلم " ( العنكبوت 49 ) ، النصارى من بنى اسرائيل ، لأن اليهود كانوا " أول كافريه " . و خير شاهد أيضا صيغة التوحيد القرآنى : " هو الله أحد " ، فقوله " هو الله " تعريب " يهوه " ، و لا يستقيم لها تخريج آخر ، يؤيد ذلك صيغة " أحد " فى الاثبات ، و هى لا تأتى عادة فى العربية إلا فى حال النفى .

حتى الان كانت الدعوة " سرية " أى بين الافراد . نقل السيوطى ( الاتقان 1 : 25 ) : " ان أول سورة اعلنها رسول الله بمكة : النجم " ، و هى الثالثة و العشرون فى تاريخ النزول . و فيها يؤكد ان الدعوة القرآنية " وحى يوحى علمه شديد القوى " . و فيها الوصف الاول لرؤيا ملاك الوحى فى غار حراء . و الوصف الثانى فى ( الشورى 52 مع 15 ) يفسر هذا " الوحى يوحى " بأنه هداية إلى الصراط المستقيم ، الايمان بالكتاب و الدعوة له ، بحسب قوله : " إنا أنزلناه فى ليلة مباركة ... أمرا من عندنا ، إنا كنا مرسلين " ( الدخان 3 – 5 ) .

فى الخامسة و العشرين ( القدر ) يأتى أول تصريح عن زمن الوحى : " إنا أنزلناه فى ليلة القدر " . و هو مثل قوله : " إنا أنزلناه فى ليلة مباركة " ( الدخان 3 ) حيث الضمير معلن فى قوله : " أمرا من عندنا ، إنا كنا مرسلين " ( الدخان 5 ) . فالمنزل هو " الأمر " بالرسالة . هذا هو " القرآن " الذى نزل جملة : " آمنت بما أنزل الله من كتاب " ( الشورى 15 ) ، بحسب آيتى سورة ( الدخان 3 – 5 ) . فما الدعوة القرآنية كلها سوى تفصيل هذا " الأمر " فى " تفصيل الكتاب " ( يونس 37 ) .

و السورة التاسعة و العشروةن ( قريش ) توضح أهل الدعوة الأولين موضوعها : " لا يلاف قريش : فليعبدوا رب هذا البيت " ! حسب الوهم المشهور كان " البيت العتيق " ، كعبة