ضوء هذا الواقع نفهم قوله المتواتر : " فلا تكونن
ظهيرا للكافرين ، و لا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت
اليك ، و ادع الى ربك و لا تكونن من المشركين ، و لا تدع
مع الله إلها آخر " ( 86 – 88 ) . يقصد " الكافرين
" بدعوته من أهل الكتاب اليهود و المسيحيين ، و "
المشركين " من العرب ، فقوله : " لا تدع مع
الله إلها آخر " قد يعنى الشرك ، و هذا بعيد عن محمد
، و قد يعنى عبادة المسيح عند المسيحيين ، و هذا أقرب
الى السياق . و النهى دليل على صراع المسيحية و النصرانية
لاكتساب محمد و اله . على كل حال فآية محمد هى شهادة "
النصارى " له ، لا المعجزة .
و فى ( الاسراء ) ، السورة الخمسين ، يأتى التحدى الأول
و الأكبر بالقرآن : " قل : لئن اجتمعت الانس و الجن
على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، لا يأتون بمثله ، و لو
كان بعضهم لبعض ظهيرا " ( 88 ) . ان التحدى بالقرآن
صريح شامل . لكن ما معناه ؟ تصاريح السورة عينها تدل عليه
. فهو واقع بين تصريحين يحددان معناه . التصريح الاول
يفيد ان المعجزات منعت عن محمد منعا مبدئيا مطلقا : "
و ما منعنا أن نرسل بالآيات ، إلا أن كذب بها الأولون
" ( 59 ) ، فمهما كان السبب ، فمبدأامتناع المعجزة
على محمد قائم ، بنص القرآن القاطع . و بعد التحدى ( 88
) يأتى الواقع المشهود ، فهم يعددون له أنواع المعجزات
التى يطلبونها منه لأنها " سنة الأولين " و
قالوا لن نؤمن لك حتى ... قل : سبحان ربى هل كنت إلا بشرا
رسولا " ! ( 90 – 93 ) . انه الاقرار الواقعى المشهود
بعجز محمد عن كل معجزة . و العلة التى يقدمها لتبرير عجزه
، كانت ايضا فى الانبياء السابقين ، فقد كان كل نبى أتى
بمعجزة " بشرا رسولا " ، و أتى بالمعجزة دليل
النبوة . هكذا يجمع القرآن الواقع المرير إلى المبدإ الخطير
: عجز محمد عن معجزة ، و الامتناع المبدئى فيه لكل معجزة
. و هذان المبدأ و الواقع يمنعان من اعتبار اعجاز القرآن
معجزة . و لا يصح تفسير التحدى بالقرآن إلا أنه تحد "
بالهدى " كما استفتح به ( القصص 49 ) و بما انه فى
" الهدى " مع الكتاب سواء ، فهو تحد بالمشركين
وحدهم ، بالاعجاز فى الهدى ، لا بالاعجاز فى البيان .
لذلك ليست آيته المعجزة على اطلاقها ، بل شهادة "
اولى العلم " النصارى له : " قل : امنوا به
او لا تؤمنوا ! ان الذين اوتوا العلم من قبله ، اذا يتلى
عليهم يخرون للاذقان سجدا " ( 107 ) . فالقرآن هو
اسلام " أولى العلم " ، فهو دعوة " نصرانية
" ، حتى سجود المسلمين فى الصلاة هو عادة "
نصرانية " : " يخرون للاذقان سجدا " .
و من " العلم " النصرانى لا يبلغ القرآن الا
القليل : |