أجل إن القرآن العربى هو أيضا " تنزيل رب العالمين
" ( 192 ) ، لكنه " فى زبر الاولين " (
196 ) أى " كتبهم كالتوراة و الانجيل " ( الجلالان
) و هذه هى البينة الاولى على صحته . فهو تعريب التنزيل
" بلسان عربى مبين " ، كما أمره به ملاك الله
فى رؤيا غار حراء ، " نزل به الروح الأمين على قلبك
لتكون من المنذرين " . و الشهادة على مطابقة القرآن
العربى لكتاب الله فى زبر الاولين ، هى شهادة " علماء
بنى اسرائيل " أى " اولى العلم " من بنى
اسرائيل ، بحسب الاصطلاح القرآنى المتواتر 1 ، و هم
" النصارى " من بنى اسرائيل ، فشهادتهم لمطابقة
الدعوة القرآنية لكتاب الله الامام هى البينة الثانية
على صحتها . لا معجزة عنده سوى ذلك ، فالتضامن فى الدعوة
و الشهادة لها كامل بين محمد و " علماء بنى اسرائيل
" أى " النصارى " ، لذلك فالقرآن العربى
دعوة " نصرانية " .
و فى ( النمل ) ، الثامنة و الاربعين يعلن أن أولئك
" النصارى " من بنى اسرائيل هم " المسلمون
" الحقيقيون الذين ينتمى محمد إليهم ، و يتلو معهم
قرآن الكتاب بقراءتهم . قابل فاتحة السورة : " تلك
ايات القرآن و كتاب مبين ، هدى و بشرى للمؤمنين ... و
انك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم " ( 1 – 6 ) ،
مع خاتمتها : " و أمرت أن أكون من المسلمين و أن
أتلو القرآن " ( 91 – 92 ) . " فالمسلمون "
موجودون قبل محمد ، و هم " من قوم موسى أمة يهدون
بالحق و به يعدلون " ( الاعراف 159 ) ، و يعرفون
" القرآن " قبل محمد : " أو لم يكن لهم
آية أن يعلمه علماء بنى اسرائيل " ( الشعراء 197
) ، بل " هو ايات بينات فى صدور
1 و حمل التعبير
" علماء بنى اسرائيل " على اللغة . لا على الاصطلاح
القرآنى المتواتر ، هو ما يحمل كثيرا من المفسرين و المستشرقين
على سوء فهم القرآن ، فيظنون من الآيتين ( الشعراء 197 ،
الاحقاف 10 ) أنه كان فى مكة جالية يهودية ، و أن اليهود
فى عهد من القرآن كانوا من شهوده ، و القرآن كله تأييد "
للنصرانية " الاسرائيلية على اليهودية ( الصف 14 ).
معجزة
القرآن
٥٧
الذين أوتوا العلم " ( العنكبوت 49 ) . ان "
علماء بنى اسرائيل " ليسوا اليهود ، " أول كافريه
" ، بل النصارى من بنى اسرائيل ، الذين فرضوا "
نصرانيتهم " على الجزيرة باسم الاسلام الذى اسهموا
فى نشأته و ذابوا فيه ( الصف 14 ) . و " القرآن "
، " القرآن العظيم " موجود معهم " ايات
" من الكتاب المبين ، و محمد مأمور بأن ينضم اليهم
، و يتلو معهم هذا " القرآن " لاحظ الاستفتاح
: " تلك " و هى اشارة الى ما يسبق السورة القرآنية
العربية من تلاوة " آيات القرآن " من الكتاب
المبين ، و ما السورة التى تستفتحها الاية سوى تعليق على
تلك التلاوة . هذا الواقع القرآنى شاهد عدل على أن محمدا
انضم إلى النصارى " المسلمين " قبله ، و تلا
الكتاب المبين على العرب " بقرآنهم " أى قراءتهم
العربية له ، بإشراف " حكيم عليم " منهم .
و فى هذه السورة التصريح بغاية الدعوة القرآنية : "
إن هذا لاقرآن يقص على بنى اسرائيل أكثر الذى هم فيه يختلفون
" ( النمل 76 ) . بنو اسرائيل اختلفوا فى المسيح
الى يهود و نصارى ، و الدعوة القرآنية قامت – مع هداية
مشركى العرب الى التوحيد الكتابى – للفصل فى الخلاف على
المسيح بين اليهود و النصارى من بنى اسرائيل . و سيقول
القرآن المدنى بأن غايته تأييد هذه النصرانية الاسرائيلية
على اليهودية حتى الظهور عليها ( الصف 14 ) . فوقف القرآن
كله حتى آخر عهده ، و مجادلة وفد نجران المسيحى اليعقوبى
، موقف الحياد من المسيحية كلها . و موقف الحياد هذا لا
يمنع بيان الاختلاف فى العقيدة معها من حين لاخر ، بيان
" نصرانية " العقيدة القرآنية .
ثم يقول " و أمرت أن اعبد رب هذه البلدة ... و
أمرت أن أكون من المسلمين " ( 91 ) . إن مكة لم تطهر
بعد من الشرك ، فمن هو " رب هذه البلدة " ؟
و كيف يؤالف بين هده العبادة ، و بين دعوة " المسلمين
" الذين انضم اليهم ؟ إما هو اله الشرك ، و إما هو
اله كفر ! إن " رب هذه البلدة " هو الله ، اله
المسيحية السائدة فى مكة ، و الذى يعبده أيضا " المسلمون
" من قبل محمد ، " النصارى " الذين أمر
بأن ينضم غليهم ، و يعبد الله بعبادتهم ، و يدعو بدعوتهم
، فى منافسة المسيحية ، و محاربة الشرك ، و هذه شهادة
قرآنية ثالثة على سيادة التوحيد المسيحى بمكة و الكعبة
. فلا يقبلون دعوته لأنها بدون معجزة كالانبياء الاولين
. أما محمد فيأمل أن تأتى المعجزة : " و قل : الحمد
لله ، سيريكم آياته فتعرفونها " ( 93 ) .