الصالحة تؤازر الدعوة القرآنية و تنفق فى سبيلها سرا
و علانية ، و هم " أولو العلم " من أهل الكتاب
، فيجيبهم بقوله : " إنما يخشى الله من عباده العلماء
" ( 28 ) . ليس هذا تعبيرا لغويا كما يفهمونه ، انما
هو اصطلاح قرآنى ، كناية عن " أولو العلم "
من اهل الكتاب أى " النصارى " من بنى اسرائيل
. فيتعنت المشركون ، فيستعلى عليهم " بكتاب الله
" الذى يتلوه مع " العلماء " من أهل الكتاب
: " ام اتيناهم كتابا فهم على بينة منه " ؟
( 40 ) إن محمدا عنده " كتاب الله " و هو على
بينة منه ، و يدعوهم إليه حسب رغبتهم و قسمهم : "
و اقسموا بالله جهد إيمانهم : لئن جاءهم نذير ، ليكونن
أهدى من احدى الامم " ( 42 ) – أى اليهود . إن محمدا
، بتضامن مع " أولى العلم " من أهل الكتاب ،
حقق للعرب أمانيهم ، " فلما جاءهم نذير ما زادهم
إلا نفورا و استكبارا فى الأرض ، و مكر السىء " (
42 – 43 ) . و سبب ذلك عجزه عن معجزة ، هى سنة الأنبياء
الاولين ، كما ينتظرونها منه : " فهل ينظرون الا
سنة الاولين ؟ – فلن تجد لسنة الله تبديلا ! و لن تجد
لسنة الله تحويلا " ( 43 ) . لقد منعت المعجزات عن
محمد ، و لا أمل فى تبديل و تحويل سنة الله ( قابل الاسراء
59 ) .
و هكذا انتهى العهد الاول بمكة ، بالهجرة الجماعية إلى
الحبشة المسيحية . لقد احتمى المسلمون المضطهدون عند بنى
دينهم . جاء فى ( الاتقان 1 : 19 ) : " ينبغى أن
يمثل لما حمل إلى الحبشة بسورة مريم . فقد صح أن جعفر
بن ابى طالب قرأها على النجاشى . أخرجه محمد فى مسنده
" . و سورة مريم ، الرابعة و الاربعون ، إعلان إيمان
الدعوة القرآنية بالمسيح و أمه . فالقرآن دعوة انجيلية
على طريقة " النصرانية " . هذا ما نراه أيضا
فى العهد الثانى بمكة .
رجع النبى العربى إلى دعوته ، و رجع مشركو مكة إلى تعجيزه
بمعجزة كالانبياء الاولين . هذا نراه فى سورة ( طه ) ،
الخامسة و الاربعين : " و قالوا : لولا يأتينا بآية
من ربه ! – أو لم تأتهم بينة ما فى الصحف الاولى "
( 133 ) . لا معجزة عند محمد مثل سائر الانبياء ، معجزته
أن القرآن العربى " بينة ما فى الصحف الاولى "
، و هذا البيان شهادة له على صحة دعوته .
و فى ( الشعراء ) ، السابعة و الاربعين ، يأتى التصريح
الكامل فى معنى دعوته و نبوته . يستفتح بذكر اعراضهم المتواصل
( 1 – 9 ) لأن المعجزة المطلوبة لم تأت ( 4 ) . و يرد
على كفرهم بدعوته بهذا التصريح : |