( 87 – 88 ) . ثم يقول : " أولئك الذين آتيناهم
الكتاب و الحكم ( الحكمة ) و النبوة – فإن يكفر بها هؤلاء
، فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها كافرين – أولئك الذين
هدى الله فبهداهم اقتد " ( 89 – 90 ) . شهادة أخرى
ناطقة : الاعجاز هو التحدى بالهدى . إن القرآن و نبيه
يقتديان بهدى الكتاب و أهله ، فهما تابع ، لا متبوع ،
و هذا التصريح يؤيد قول القائلين : ان الله لم يجعل القرآن
دليل النبوة .
و من هم الذين على محمد أن يقتدى بهداهم ليكون على صراط
مستقيم ؟ هم " أولئك الذين آتيناهم الكتاب و الحكم
و النبوة " ( 89 ) . " الحكم " يعنى "
الحكمة " ( الجلالان ) ، فقد أخذ التعبير العبرى
على حرفه . فهو يقتدى بهم حتى فى تعبيره . ثم ان "
الحكمة " فى اصطلاح القرآن كناية عن الانجيل كقوله
: " و لما جاء عيسى بالبينات قال : قد جئتكم بالحكمة
" ( الزخرف 63 ) أى " شرائع الانجيل "
( الجلالان ) ، " و آتيناه الانجيل فيه هدى و نور
" ( المائدة 46 ) ، و كما يظهر من هذا الترادف المتواتر
: " و يعلمه الكتاب و الحكمة – و التوراة و الانجيل
" ( آل عمران 48 ) ، " و اذ علمتك الكتاب و
الحكمة – و التوراة و الانجيل " ( المائدة 110 )
. فمحمد يقتدى بأهل الكتاب و الانجيل ، " و يعلمهم
الكتاب و الحكمة " ( البقرة 129 ، آل عمران 164 ،
الجمعة 2 ) ، على طريقة الذين يقيمون " التوراة و
الانجيل " معا ( المائدة 66 و 68 ) و هم النصارى
من بنى اسرائيل ، الذين يسميهم فى اصطلاحه المتواتر "
أولى العلم " المقسطين ، أو " الراسخين فى العلم
" . فالقرآن دعوة " نصرانية " .
و هذه الدعوة هداه اليها ملاك الله فى رؤيا غار حراء
، و أمره بقراءة " الكتاب و الحكمة " على العرب
. فدرس و درَس ، و اهتدى و هدى . و يعلم اهل مكة ذلك ،
و القرآن يصرح به : " و ليقولوا : درست ! – و لنبيه
لقوم يعلمون " ( 105 ) . فلا يرد التهمة ، بل يؤكدها
ببيان غايتها . انه درس ليدرس ، " و يعلمهم الكتاب
و الحكمة " ، لأنهم هم غفلوا عن دراستهما : "
أن تقولوا : إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ،
و إن كنا عن دراستهم لغافلين " ( 156 ) . و هذان
الاقرار و التقرير بالدرس يهدمان أسطورة أمية محمد ، و
ما بنى عليها من اعجاز و معجزة .
و ما القرآن العربى سوى " تفصيل الكتاب "
( يونس 37 ) ، و تصديقه : " و هذا كتاب أنزلناه مبارك
، مصدق الذى بين يديه ( قبله ) ، و لتنذر أم القرى و من
حولها ، و الذين يؤمنون |