نعرف أن السلطان المبين الذى به يستعلى عليهم هو الكتاب
المقدس المنير : " و من الناس من يجادل فى الله بغير
علم و لا هدى و لا كتاب منير " ( 20 ) . أما محمد
، يجادلهم بالعلم و الهدى بحسب الكتاب المنير . فآيته
فى دعوته هى انتسابه الدائم الى الكتاب و أهله من "
أولى العلم " أى " النصارى " . يؤيد ذلك
قوله فى ( سبأ ) ، الثامنة و الخمسين : " و يرى الذين
أوتوا العلم الذى أنزل اليك من ربك هو الحق ، و يهدى الى
صراط العزيز بين يديه " أى قبله ( 31 ) . فيستعلى
عليهم بالكتب المنزلة التى يدرسها من دونهم : " و
ما آتيناهم من كتب يدرسونها ! و ما أرسلنا اليهم قبلك
من نذير " ( 44 ) . و فى ( الزمر ) ، التاسعة و الخمسين
، يستعلى عليهم أيضا بانتسابه الى " أولى العلم "
: " قل هل يستوى الذين يعلمون ، و الذين لا يعلمون
" ! ( 9 ) – يجب أن يفهم التعبير على اصطلاحه لا
على لغته كما يتوهمون . تلك هى شهادته الدائمة على صحة
دعوته . و فى – حم غافر ) السورة الستين ، يكرر ذلك :
" و لقد آتينا موسى الهدى و أورثنا بنى اسرائيل الكتاب
" ( 53 ) . بنو اسرائيل طائفتان : يهود و نصارى ،
و الدعوة القرآنية تأييد للنصارى من بنى اسرائيل على عدوهم
اليهود ( الصف 14 ) . فبانتماء محمد إلى " أولى العلم
" هؤلاء ، يجادل المشركين بسلطان ، و هم يجادلون
بغير سلطان ( 56 ) . يصرون على المعجزة فيتهرب : "
و ما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله " ( 78
) . و الله لم يأذن لمحمد بمعجزة ( الاسراء 59 ) ، "
و قد خلت سنة الأولين " بالمعجزات ( الحجر 13 ) .
فى ( حم فصلت ) ، الحادية و الستين ، يستعلى عليهم بانتسابه
إلى الكتاب ، فى تعريفه بحقيقة القرآن العربى : "
كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا " ( 3 ) ، فالقرآن العربى
إنما هو " تفصيل الكتاب " ( يونس 37 ) . و فى
قوله : " و لو جعلناه قرآنا اعجميا ، لقالوا : لولا
فصلت آياته " ( 44 ) نرى ان التفصيل ، فى لغة القرآن
، يعنى التعريب . و هكذا فإن " تفصيل الكتاب "
فى القرآن يعنى " تعريب الكتاب " . لكنهم لا
يقبلون بهده الشهادة و يصرون على طلب معجزة ، فيقول :
" انما بشر مثلكم يوحى الى انما الهكم اله واحد فاستقيموا
اليه " ( 6 ) – لكن كل الرسل من قبله كانوا بشرا
مثله و ايد الله رسالتهم بالمعجزة .
و فى سورة ( الشورى ) ، الثانية و الستين ، نرى معنى
نبوة محمد و موضوع القرآن . فهذه هى نظرية القرآن فى النبوة
و الوحى و مراتبهما : " ماكان لبشر أن يكلمه الله
الا وحيا ، أو من وراء حجاب ، أو يرسل رسولا فيوحى باذنه
ما يشاء ، انه على حكيم . و كذلك أوحينا اليك |