الناس بالقسط . و أنزلنا الحديد ، فيه بأس شديد و منافع
للناس ، و ليعلم الله من ينصره و رسله بالغيب ، إن الله
قوى عزيز " ( 25 ) . لقد بعث الله الرسل بكتاب الهدى
و ميزان العدالة لقيام العقيدة و الشريعة بين الناس .
أما مع محمد و القرآن فقد " أنزلنا الحديد "
. لاحظ دقة التعبير حيث صار السيف معجزة منزلة ، لصحة
الدعوة و النبوة . أليس هذا " يدعا من الرسل "
( الاحقاف 9 ) ، فى مقابلة القرآن الصريحة ( الحديد 25
) .
و فى ( المائدة ) ، الثانية و العشرين ، ينقل من حجة
الوداع : " اليوم أكملت لكم دينكم ، و أتممت عليكم
نعمتى ، و رضيت لكم الاسلام دينا " ( 3 ) . أى إسلام
؟ إسلام الشاهدين له : " إنا كنا من قبله مسلمين
" ( القصص 53 ) ، إسلام " أولى العلم قائما
بالقسط " الذين يشهدون مع الله و ملائكته "
إن الدين عند الله الاسلام " ( آل عمران 18 – 19
) ، إسلام الطائفة المؤمنة بالمسيح من بنى اسرائيل ، التى
انتصرت على اليهودية بفضل القرآن و حهاد النبى ( الصف
14 ) ، أى إسلام " النصارى " الذى ارتضاه لهم
دينا ، و ظهر على اليهودية و الشرك . لذلك " اليوم
يئس الذين كفروا من دينكم ، فلا تخشوهم واحشون "
( 3 ) . فالخوف من بطش الله و رسوله ظل آيته حتى النهاية
، لظهور الاسلام " النصرانى " على اليهودية
و الشرك : " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود
و الذين أشركوا . و لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين
قالوا : إنا نصارى ... يقولون : ربنا آمنا مع الشاهدين
" ( 82 و 83 ) . فاليهود و العرب المشركون هم أهل
العداوة ، و النصارى أهل المودة و الايمان و الشهادة الى
النهاية . و هذا الاعلان الصريح دليل على أن الدعوة القرآنية
ظلت حتى النهاية دعوة " نصرانية " . و انتصار
الاسلام القرآنى على الدين كله ، أى على اليهودية و الشرك
، هو انتصار " النصرانية " فى الجزيرة العربية
. و هذا الظهور بالنصر و الفتح هو معجزة القرآن و النبوة
.
و فى ( التوبة – براءة ) ، الثالثة و العشرين ، أحكمت
" آية السيف " ، معجزة القرآن و النبى العربى
: " براءة من الله و رسوله الى الذين عاهدتم من المشركين
: فسيحوا فى الأرض أربعة أشهر ، و اعلموا أنكم غير معجزى
الله ، و أن الله مخزى الكافرين ... فإذا انسلخ الأشهر
الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " من حل و حرم
( 1 – 2 و 5 ) . فهو يشرع قتال المشركين العرب حتى يسلموا . جاء فى ( الناسخ و المنسوخ ) ص 26 للنحاس : " نسخ
بهذه الآية ( 5 ) و ثلاثة عشر موضعا فى القرآن "
. و قال ابن حزم : " نسخ بهذه الآية مائة
معجزة
القرآن
٨١
و أربع عشرة آية فى ثمان و أربعين سورة " . و
نقل ( الاتقان 2 : 24 ) : " قال ابن العربى : كل
ما فى القرآن من الصفح عن الكفار و التولى و الاعراض و
الكف عنهم ، منسوخ بآية السيف " . و هذا الواقع الضخم
دليل على أن " آية السيف " هى دليل النبوة ،
لا المعجزة و لا الاعجاز ، فى ظهور الاسلام على الدين
كله . و هو يشرع قتال أهل الكتاب العرب " حتى يعطوا
الجزية عن يد و هم صاغرون " ( 29 ) أى حتى يخضعوا
لسلطان الاسلام ، لا لدين الاسلام . هكذا بقتال الناس
كلهم ، من مشركين و كتابيين ، يكون ظهوره " على الدين
كله " ( 33 ) . هذه هى شرعة القرآن الأخيرة ، ووصية
محمد الأخيرة لأمته . فهى دليل النبوة و الدعوة ، لا المعجزة
و لا الاعجاز .
و ختام القرآن المدنى ، بل القرآن كله ، فى سورة ( النصر
) ، و هى نشيد الحمد الختامى على معجزة القرآن و النبوة
، فى النصر و الفتح :
" إذا
جاء نصر الله و الفتح
و رأيت الناس يدخلون
فى دين الله أفواجا
فسبح بحمد
ربك ،
و استغفره إنه كان
توابا "
إنها نشيد الحمد على سيطرة الاسلام على الجزيرة العربية
. انها نشيد الحمد على معجزة النصر و الفتح . لكنها ،
بنص القرآن القاطع ، تظل معجزة مشبوهة ، لانها تقتضى الاستغفار
، و لا أمر بالاستغفار حال النصر و الفتح بدون ذنب . و
هكذا فالصدى الأخير لمعجزة السيف ، كالصدى الأخير لمعجزة
الاعجاز ( آل عمران 7 ) ، أنها من " متشابهات القرآن
.
هذا هو الواقع القرآنى من المعجزة . حاول الأقدمون اخفاءه
، و حاول أهل الاعجاز ستره بجعل الاعجاز معجزة القرآن
، و قهرت النزاهة العلمية أهل عصرنا على الجهر به .
بدأه الاستاذ حسين هيكل فى ( حياة محمد ، ص 55 ) : "
لم يرد فى كتاب الله ذكر لمعجزة أراد الله بها أن يؤمن
الناس كافة على اختلاف عصورهم برسالة محمد ، إلا القرآن
".
و ختمه الاستاذ دروزة بتحليل جامع مانع : " إن
حكمة الله اقتضت أن لا تكون الخوارق دعامة لنبوة سيدنا
محمد عليه السلام ، و برهانا على صحة رسالته و صدق دعوته
" 1