٨٠ معجزة القرآن

الناس بالقسط . و أنزلنا الحديد ، فيه بأس شديد و منافع للناس ، و ليعلم الله من ينصره و رسله بالغيب ، إن الله قوى عزيز " ( 25 ) . لقد بعث الله الرسل بكتاب الهدى و ميزان العدالة لقيام العقيدة و الشريعة بين الناس . أما مع محمد و القرآن فقد " أنزلنا الحديد " . لاحظ دقة التعبير حيث صار السيف معجزة منزلة ، لصحة الدعوة و النبوة . أليس هذا " يدعا من الرسل " ( الاحقاف 9 ) ، فى مقابلة القرآن الصريحة ( الحديد 25 ) .

و فى ( المائدة ) ، الثانية و العشرين ، ينقل من حجة الوداع : " اليوم أكملت لكم دينكم ، و أتممت عليكم نعمتى ، و رضيت لكم الاسلام دينا " ( 3 ) . أى إسلام ؟ إسلام الشاهدين له : " إنا كنا من قبله مسلمين " ( القصص 53 ) ، إسلام " أولى العلم قائما بالقسط " الذين يشهدون مع الله و ملائكته " إن الدين عند الله الاسلام " ( آل عمران 18 – 19 ) ، إسلام الطائفة المؤمنة بالمسيح من بنى اسرائيل ، التى انتصرت على اليهودية بفضل القرآن و حهاد النبى ( الصف 14 ) ، أى إسلام " النصارى " الذى ارتضاه لهم دينا ، و ظهر على اليهودية و الشرك . لذلك " اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ، فلا تخشوهم واحشون " ( 3 ) . فالخوف من بطش الله و رسوله ظل آيته حتى النهاية ، لظهور الاسلام " النصرانى " على اليهودية و الشرك : " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود و الذين أشركوا . و لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا : إنا نصارى ... يقولون : ربنا آمنا مع الشاهدين " ( 82 و 83 ) . فاليهود و العرب المشركون هم أهل العداوة ، و النصارى أهل المودة و الايمان و الشهادة الى النهاية . و هذا الاعلان الصريح دليل على أن الدعوة القرآنية ظلت حتى النهاية دعوة " نصرانية " . و انتصار الاسلام القرآنى على الدين كله ، أى على اليهودية و الشرك ، هو انتصار " النصرانية " فى الجزيرة العربية . و هذا الظهور بالنصر و الفتح هو معجزة القرآن و النبوة .

و فى ( التوبة – براءة ) ، الثالثة و العشرين ، أحكمت " آية السيف " ، معجزة القرآن و النبى العربى : " براءة من الله و رسوله الى الذين عاهدتم من المشركين : فسيحوا فى الأرض أربعة أشهر ، و اعلموا أنكم غير معجزى الله ، و أن الله مخزى الكافرين ... فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " من حل و حرم ( 1 – 2 و 5 ) . فهو يشرع قتال المشركين العرب حتى يسلموا . جاء فى ( الناسخ و المنسوخ ) ص 26 للنحاس : " نسخ بهذه الآية ( 5 ) و ثلاثة عشر موضعا فى القرآن " . و قال ابن حزم : " نسخ بهذه الآية مائة

معجزة القرآن ٨١

و أربع عشرة آية فى ثمان و أربعين سورة " . و نقل ( الاتقان 2 : 24 ) : " قال ابن العربى : كل ما فى القرآن من الصفح عن الكفار و التولى و الاعراض و الكف عنهم ، منسوخ بآية السيف " . و هذا الواقع الضخم دليل على أن " آية السيف " هى دليل النبوة ، لا المعجزة و لا الاعجاز ، فى ظهور الاسلام على الدين كله . و هو يشرع قتال أهل الكتاب العرب " حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون " ( 29 ) أى حتى يخضعوا لسلطان الاسلام ، لا لدين الاسلام . هكذا بقتال الناس كلهم ، من مشركين و كتابيين ، يكون ظهوره " على الدين كله " ( 33 ) . هذه هى شرعة القرآن الأخيرة ، ووصية محمد الأخيرة لأمته . فهى دليل النبوة و الدعوة ، لا المعجزة و لا الاعجاز .

و ختام القرآن المدنى ، بل القرآن كله ، فى سورة ( النصر ) ، و هى نشيد الحمد الختامى على معجزة القرآن و النبوة ، فى النصر و الفتح :

" إذا جاء نصر الله و الفتح
 
و رأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا
فسبح بحمد ربك ،
 
و استغفره إنه كان توابا "

إنها نشيد الحمد على سيطرة الاسلام على الجزيرة العربية . انها نشيد الحمد على معجزة النصر و الفتح . لكنها ، بنص القرآن القاطع ، تظل معجزة مشبوهة ، لانها تقتضى الاستغفار ، و لا أمر بالاستغفار حال النصر و الفتح بدون ذنب . و هكذا فالصدى الأخير لمعجزة السيف ، كالصدى الأخير لمعجزة الاعجاز ( آل عمران 7 ) ، أنها من " متشابهات القرآن .

هذا هو الواقع القرآنى من المعجزة . حاول الأقدمون اخفاءه ، و حاول أهل الاعجاز ستره بجعل الاعجاز معجزة القرآن ، و قهرت النزاهة العلمية أهل عصرنا على الجهر به .

بدأه الاستاذ حسين هيكل فى ( حياة محمد ، ص 55 ) : " لم يرد فى كتاب الله ذكر لمعجزة أراد الله بها أن يؤمن الناس كافة على اختلاف عصورهم برسالة محمد ، إلا القرآن ".

و ختمه الاستاذ دروزة بتحليل جامع مانع : " إن حكمة الله اقتضت أن لا تكون الخوارق دعامة لنبوة سيدنا محمد عليه السلام ، و برهانا على صحة رسالته و صدق دعوته " 1


1 دروزة : سيرة الرسول 1 : 226 ) .