بهم درجة لا تطاق . و من المتأكد أنه ليس لهم سند من
قرآن صريح أو حديث صحيح ... " .
1 – و قال : " ان الكثيرين حين يحاولون دراسة شخصية
الرسول ، يعمدون الى كتب السيرة ليأخذوا جزافا بكل ما
ورد فيها . و هذه الكتب على كثرتها لا يجوز أن تكون مرجعا
أصيلا فى هذا الصدد ، لأنها كتبت فى عصور لم يكن النقد
مباحا تماما فيها . و معظمها كان يدون لغاية تعبدية .
و الخلافات الكثيرة فى رواياتها يحتم على الباحث أن يقف
منها موقف الحذر و الحيطة .
" و قد استوعبت كتب السيرة سيلا من أنباء الخوارق
و المعجزات ، التى تزيد و تنقص تبعا لاختلاف الأزمان التى
دزنت فيها . فبينما نجد سيرة ابن هشام لا تعنى كثيرا بأنباء
الخوارق و المعجزات ، نجد أن سيرة ابن أبى الفداء ، و
( الشفاء ) للقاضى عياض ، و غيرهما ، قد عنيت العناية
الكبرى بها . و كتب السيرة مزدحمة بالرواة القصاصين الذين
عرفوا بالصناعة القصصية فى ما يروون . و هؤلاء لا يتحرون
الدقة فى سند الرواية أو متنها ، لأنهم يعنيهم – فحسب
– صياغة الاسلوب و عنصر التشويق " .
2 – ثم قال : " و إذا تركنا السيرة الى كتب الحديث
ألفينا أنفسنا إزاء مشكلة معقدة تجعل الباحث فى حيرة لا
تنتهى و لا تقف عند حد ... و ظهر وضع آلاف الأحاديث و
نسبتها الى النبى لتكون مؤيدا لحزب سياسى ، أو ناقضا لحزب
آخر . و انتهز اليهود و الزنادقة فرصة هذه الخلافات التى
تدثرت بالدماء فى معظم الأحايين ، و راحوا يختلقون الأحاديث
ليهدموا بها الاسلام ، و يشغلوا العامة عن أصوله لتنصرف
الى شكلياته . كما تطوع كثير من السذج و البسطاء فوضعوا
أحاديث فى الترغيب و الترهيب ، ظنا منهم أن فى هذا خدمة
للدين ، و لو عقلوا لأدركوا أنهم إنما أساؤوا إلى الدين
أكبر إساءة ... " .
( مع هذه الاسباب الثلاثة لاختلاف الاحاديث ) لم يبدا
التدوين إلا فى عهد المأمون . و ذلك بعد أن اختلط النقى
بالدخيل ، و أصبح الحديث الصحيح فى الحديث الكذب كالشعرة
البيضاء فى جلد الثور الأسود ، كما يقول الدراقطنى أحد
جامعى الحديث المعروفين ... و حسبك أن تعلم أن البخارى
، و هو شيخهم ، قد وجد ان الاحاديث المتداولة تزيد على
ستماية ألف حديث ، و لكنه لم يعتمد منها فى صحيحه إلا
قرابة أربعة آلاف . |