سورة الاسراء : " أو ترقى فى السماء : و لن نؤمن
لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه ! – قل : سبحان ربى
هل كنت إلا بشرا رسولا " ( 93 ) . فتحديهم له ، و
اقراره بعجزه يقضيان قضاء مبرما على أسطورة المعراج ،
بصريح القرآن . و القرآن نفسه يشترك فى تعجيز محمد عن
أى فكرة عروج و معراج : " و ان كان كبر عليك اعراضهم
، فإن استطعت أن تبتغى نفقا فى الأرض ، أو سلما فى السماء
، فتأتيهم بآية " ( الانعام 35 ) – فافعل : المعنى
أنك لا تستطيع ذلك " ( الجلالان ) . قوله : "
سلما فى السماء " هو تعريف حرفى بالمعراج ، و نقض
مبرم لحدوثه.
و القرآن نفسه يعتبر أن " الاسراء " كان "
رؤيا للفتنة " و التخويف ، مثل رؤيا شجرة الزقوم
فى قعر الجحيم : " و ما جعلنا الرؤيا التى أريناك
إلا فتنة للناسو الشجرة الملعونة فى القرآن . و نخوفهم
فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا " ( الاسراء 60 ) .
ففى السورة كلها ليس من رؤيا إلا " أسرى ليلا "
، فالاشارة فى الآية ( 60 ) تعود الى هذا الاسراء الذى
تصفه السورة " برؤيا منامية " ، فليست بحادث
تاريخى . يزيد ذلك يقينا مقابلتها مع رؤيا شجرة الزقوم
فى قعر الجحيم ، و كلاهما رؤيا للتخويف ، لا للتحقيق :
" و تخوفهم " . أبعد صريح القرآن ، نجرؤ على
إقامة الأساطير ؟ ! و قوله " رؤيا ، و نخوفهم "
يجعل تعبير " أسرى بعبده ليلا " تعبيرا مجازيا
، لا أمرا واقعيا .
و جل ما يقال فى آية الاسراء انها " رؤيا منامية
" كالرؤيا المنامية التى رآها فى المدينة بدخوله
الحرم : " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق : لتدخلن
المسجد الحرام ، إن شاء الله ، آمنين محلقين روؤسكم و
مقصرين ، لا تخافون " ( الفتح 27 ) . فكلاهما رؤيا
منام ؟ لكن القرآن يصرح بأن الله " صدق رسوله الرؤيا
بالحق " أى بالواقع فى دخوله مكة . لكن القرآن لا
يصرح أبدا بتحقيق رؤيا الاسراء ، فظلت طيف ليل .
و ليس لتلك الرؤيا المنامية معنى المعجزة و لا معنى
المكاشفة .
فلو كان لآية الاسراء معنى المعجزة لكان النبى أعطاها
كمعجزة كلما تحدوه بمعجزة ، و طالما تحدوه . و السورة
نفسها ترد على تحدياتهم بمعجزة ( 90 – 93 ) بالاقرار بالعجز
عن كل معجزة : " قل : سبحان ربى هل كنت إلا بشرا
رسولا " ( 93 ) و السورة نفسها تعلن منع المعجزة
مبدئيا عن محمد : " و ما منعنا أن نرسل بالآيات إلا
أن كذب بها الأولون " ( 59 ) . فهذان المنع الربانى
و العجز المحمدى عن كل معجزة برهان قاطع أن ليس فى "
الاسراء " من معجزة . فسورة الاسراء نفسها تنفى الاعجاز
فى الحادث ، و المعنى الحسى فيه .
|