١٠٤ معجزة القرآن

العثمانية ، ليصرف حج أهل الشام الى بيت المقدس ، عن مكة المكرمة حيث كانت الفتنة تفتنهم عن بنى أمية . و قد كانت السورة تسمى " بنى اسرائيل " كما فى الاية التى تستفتح قصص موسى ( 2 ) ، على ما نقل البخارى عن ابن مسعود : " قال النبى صلعم ان بنى اسرائيل و الكهف و مريم و طه و الأنبياء هن من العتاق الأول ، و هن من تلادى " 1 فصارت تسمى " أسرى " أو " الاسراء " . و نحن نقول : هذا تخريج قد يكون له دلائل ، لكن ليست له أخبار ثابتة .

فمن الثابت ، بالبراهين القرآنية التى قدمنا ، أن ليس فى آية الاسراء معجزة ، و لا حادث تاريخى . إنما " الاسراء " بنص الآية نفسها " رؤيا منامية " لم يحققها الواقع و التاريخ ، كما حقق رؤيا دخول مكة يوم الفتح الاعظم . و لا يقوم اعجاز التنزيل و لا معجزته على " رؤيا منامية " . و جل ما فى القصة أنها تعبير مجازى لاتجاه محمد فى دعوته الى " بيت المقدس ، مهبط الوحى ، و متعبد الأنبياء " .

ثالثا : معجزة الغار

جاء فى سورة ( التوبة – براءة ) قوله : " إلا تنصروه فقد نصره الله ، إذ أخرجه الذين كفروا ، ثانى اثنين ، إذ هما فى الغار ، إذ يقول لصاحبه : لا تحزن إن الله معنا . فأنزل الله سكينته عليه ، و أيده بجنود لم تروها . و جعل كلمة الذين كفروا السفلى . و كلمة الله هى العليا . و الله عزيز حكيم " ( 40 ) . ففى الآية إشارة الى حادث اختفاء الرسول مع أبى بكر ، فى غار " ثور " ، جبل الى الجنوب من مكة ، فى طريق هجرتهما الى المدينة .

و فى سورة ( الانفال ) فسر عناية الله بالنبى بقوله : " و اذ يمكر الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك . و يمكرون و يمكر الله ، و الله خير الماكرين " ( 30 ) . فقد أنجى الله محمدا بعنايته الخاصة . و ليس فى الآيتين ذكر لمعجزات حسية جرت على فم الغار لحجب من فيه عن أعين المطاردين .

و قوله : " ايده بجنود لم تروها " يكفى لإبعاد كل معجزة حسية . لكن بعض أهل الحديث أتوا بجنود من الله محسوسة ملموسة : كنسيج العنكبوت على باب الغار ، و نماء شجرة على فمه ، و بيض الحمائم فيها . لكن السنن الصحاح لم يرد فيها ذكر لشىء من ذلك .


1 نقلا عن دروزة : القرآن المجيد ، ص 68 .
معجزة القرآن ١٠٥

و نجاة محمد و صاحبه من المطاردة انما كان لمهارة محمد و صاحبه أبى بكر فى ذلك . جاء فى السيرة لابن هشام : أن النبى يوم هجرته من مكة أضجع عليا على فراشه ببردته ليوهم الناس انه لم يذهب . و أمر أبو بكر مولاه عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه نهاره ، ثم يريحها عليهما اذا أمسى ، فى الغار ، كما امر ابنه عبد الله أن يستطيع لهما أخبار قريش ، ثم يأتيهما اذا أمسى فيقص عليهما ما علم منها . فاذا غدا عبد الله من عندهما الى مكة عفى الراعى عامر بآثار الغنم على آثار عبد الله ابن أبى بكر . هكذا " يمكرون ، و يمكر الله ، و الله خير الماكرين " . و حماية الله لمحمد فى الغار ، " بجنود لم تروها " ، ليس حادثا مشهودا يمكن التحدى به كمعجزة ، بنص القرآن القاطع .

و هنا تسعفنا السنن الصحيحة ، و سيرة ابن هشام التى وضعت بعد مئتى عام من الحادث : فجميعها لا تذكر شيئا من المعجزات الثلاث التى اختلقوها .

و لو أن القرآن نفسه علم فى الأمر معجزة لنوه بها كلما تحدوه بمعجزة ، و لما سكت عنها الى آخر سورة ( التوبة – براءة 40 ) . و ينسون على الدوام ان المعجزات منعت عن محمد منعا مبدئيا مطلقا ( الاسراء 59 ) ، و امتنعت عليه امتناعا واقعيا مطلقا ( الاسراء 93 ) .

لذلك يرى العلماء ، و منهم الاستا دروزة ، أن ليس فى حادث الغار من معجزة ، انما هو عناية ربانية : " و الآية ( براءة 40 ) تتضمن التنويه بالعناية الربانية بالنبى أولا ، و بما كان من رباطة جأشه فى هذا الموقف العصيب ثانيا ، ثم بما كان من أثر إفلاته ، و نجاحه ، و التحاقه بالمدينة ، فى قوة الاسلام و انتشاره و كبت اعدائه " .

فليس فى الحادث عنصر من أركان المعجزة : لا حادث مشهود ، و لا معجزة معهود ، و لا تحد مقصود . إنما هى حاجة الأمة للخوارق لإثبات النبوة بالمعجزة ، لم يجدوها فخرقوها . و الاساطير تحط من هيبة النبوة ، و لا ترفعها .

رابعا : معجزة " الرمى " فى بدر

نزلت سورة ( الانفال ) فى ملابسات غزوة بدر ، التى كانت أول نصر فى الاسلام . و جاء فى وصفها :

" و إذا يعدكم الله احدى الطائفتين أنها لكم ، و تودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم و يريد الله أن يحق الحق بكلماته و يقطع دابر الكافرين ( 7 ) .