" و ما كان الله ليمد النوع الانسانى فى طفولته
بما يحفظ به حياته الروحية ، ثم يدعه بعد أن أخذ سبيله
الى النظر العقلى و الاستقلال الفكرى دون أن يقيم له من
الأدلة ما يتناسب و الارتقاء الذى انتهى اليه : فكانت
ان بعث محمدا صلعم و أيده بالمعجزة العلمية و الحجة العقلية
و هو القرآن الكريم : " قل لئن اجتمعت الانس و الجن
على أنه يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ، و لو
كان بعضهم لبعض ظهيرا " .
و نقول : ان الاستاذ العقاد يرجع الى منطق علم الكلام
، فيعلن ضرورة المعجزة لصحة النبوة ، و يعطى اعجاز القرآن
أفضل معجزة له .
لكنه جاء بتعليل لا يتماشى مع التاريخ العام ، و لا
القرآن نفسه . و قد نقل فى الحاشية التعليل القديم الذى
كان ضعيفا : " كان السحر مشتهرا فى عهد موسى ، و
كان الطب و إنكار الروح فى عهد عيسى ، و كانت البلاغة
فى عهد محمد : فكانت معجزة كل نبى من جنس ما اشتهر على
عهده . مع ملاحظة ان المعجزة فوق مقدور البشر فهى أعلى
مستوى و أرفع قدرا " .
و فات الاستاذ ان القرآن دعوة قومية قبل أن يمسى دعوة
عالمية : " و كذلك أوحينا اليك قرآنا عربيا لتنذر
أم القرى و من حولها " ( الشورى 7 ) . و لغة القرآن
تدل على قوميته : " و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان
قومه ليبين لهم " ( ابراهيم 4 ) . فالقرآن دعوة لمكة
و ما حولها قبل أن يكون ذكرا للعالمين . فهل كان الحجاز
فى الجاهلية قبل البعثة على ما وصفوه فى التعليل القديم
و التعليل الجديد ؟
فهل كانت البلاغة فى الحجاز الجاهلى أبلغ منها فى أنطاكية
و أثينة و رومة ، ناهيك عن عواصم الهند و الصين ؟ أم هل
كانت عناية العصر الجاهلى بالبلاغة أكثر منها بالشعر ؟
و قد قالوا : " الشعر ديوان العرب " . و القرآن
ينص : " و ما علمناه الشعر ، و ما ينبغى له "
( ياسين 69 ) . هل كان الطب فى فلسطين على عهد المسيح
، عند شعب مستعمر مقهور مغلوب على امره ، أعظم منه فى
دولة الرومان و دولة الفرس ؟ و هل كان السحر فى مصر ،
على زمن موسى ، أوغل منه فى كل عصر و مصر ؟ إن تعليلهم
هذا لا يصح أن تقوم عليه حجية إعجاز القرآن .
و لا تقوم فلسفة إعجاز القرآن على التعليل الجديد الذى
خرج به السيد السابق و أمثاله . فهل بلغت جاهلية الحجاز
سن الرشد أبلغ من عواصم الهند و فارس و اليونان و الرومان
؟ بل |