27 ) . لقد بحثنا نظرية السيد طبارة . هنا نتوقف على
هذه المقالة ، تتميما لفلسفة أهل العصر فى النبوة و المعجزة
.
إن كتب الأدب لا تعرف لعرب الجاهلية سوى الشعر الغنائى
، و تجهل عندهم الشعر الملحمى و المسرحى . و لا تذكر لهم
من الخطابة ما يستحق الذكر . ناهيك عن سائر الفنون الأدبية
. و هذا الواقع لا يقاس أبدا بما كان فى أثينة و رومة
و الاسكندرية و أنطاكية . فلم ينبع العرب فى الاعجاز البيانى
و البلاغى ، قبل القرآن ، الى بعض ما نبغت فيه تلك العواصم
، فى عهدها الوثنى كما فى عهدها المسيحى .
و هل يقاس الأدب الجاهلى بما فى الكتاب القدسى من تشريع
و تاريخ و شعر و خطابة و قصص و ملحمة ، حتى ندعى أن بنى
قومنا فى جاهلية الحجاز نبغوا فيه أكثر من بنى عمومتهم
؟
و السيد طبارة يناقض نفسه حتى يزعم للقرآن معجزات علمية
لم يكتشفها فيه العرب قبل القرن العشرين : فهل نبغوا فى
العلوم الكونية حتى تكون هذه المعجزات العلمية "
من جنس ما نبغت فيه أمته " !
وهب أن السيد طبارة يتكلم عن العرب وحدهم و نبوغهم فى
فن الكلام : فهل اعجاز بيانى و بلاغى فى خطابهم ، يكون
معجزة للعالمين ؟ و سنرى أن القرآن لا يعتبر اعجازه معجزة
للعالمين ، و لا للعرب الكتابيين .
10 – هل من " المستحيل أن تخلو سيرة النبة من معجزات
تشهد له " ؟
لقد درسنا مقالة الشيخ عبد الكريم الخطيب . نقف هنا
عند منطقه من وجود المعجزة شهادة للنبوة . انها قضية مبدإ
: محمد نبى ، فلا بد من المعجزات تشهد له ، لذلك فهى قائمة
ملموسة . يقول : " إذا كان من الممككن أن يسلم عقلا
بأن تخلو سيرة الرسول الى مبعثه من إشارات و دلالات تشير
إلى النبوة و تحدث عنها ... اذا كان من الممكن ان يسلم
بهذا – و هو ما لا يمكن أن يسلم به أو يقبل بحال أبدا
– فإن عدم التسليم بهذا فى الفترة السابقة من حياة النبى
قبل مبعثه يرتفع الى درجة المستحيل ان تخلو سيرة النبى
خلال فترة النبوة من آيات و معجزات تشهد له بأنه ذلك الانسان
الذى اختاره الله و اصطفاه و رفع منزلته على منازل الناس
جميعا فى الدنيا و الآخرة " ( النبى محمد ، ص 224
) . |