٥٨ عقيدة الثالوث القويمة

(أو الرحمة والعدل حسب قول بعضهم) (١) ليستا صفتين متضادتين بل هما وجهتان لشئ واحد . فالمحبة لا تهمل الخاطئ ما لم تفعل من أجله كل شئ في طاقتها والقداسة لا تقبل الخاطئ ما لم تتحقق وتجعل الخاطئ يتحقق مقدار خطاياه ـ ليس لأجل ذاتها بل لأجل الخاطئ . وبعبارة أخرى أن القداسة تشير إلى ما يجب عمله والمحبة تشير إلى ما سيعمل ـ القداسة هي المحبة . والمحبة هي مقدسة فإن لم تكونا كذلك فلا فائدة من كل منهما البتة . وهكذا قل في علاقة الله في المسيح مع الإنسان . الأمر الذي أفضى إلى الصلب . وإذا علمت ذلك فلنتقدم إلى الكلام عن الكفارة .


(١) تنبيه : إن المحبة والقداسة هما أوسع الألفاظ معنى ويدلان على أسمى الصفات الإلهية . أما الرحمة والعدل فيختصان بالمحاكم . ونطاقها أضيق من نطاق المحبة والقداسة . أجل إن الله هو قاض ولكنه ليس قاضيا فقط . وهنا وجه الغلط عند المسلمين فإنهم يجعلون الله قاضيا فقط .
أما النقمة والغضب فينظر إليهما باعتبار اختلاف تأثيرهما في الإنسان . وعلى كل فإن هنالك فرقا كبيرا بين غضب أب محب وغضب قاض أو ملك . فإن العامل في الأول هو المحبة التي تفوق كل قانون . والعامل في الثاني هي القوانين التي هي دون المحبة .

______________

  ٥٩

الباب الرابع

كفارة الكلمة المتجسد

عن خطية العالم

رأينا سابقا الفرق الأساسي بين رأيي المسلمين والنصارى في ذات الله . وأثبتنا أن الرأي الإسلامي ينفي الصفات الأدبية عن الله تعالى ويدخل صفاته في الحيز المادي ويجعل علاقته مع أرواح خليقته علاقة خارجية ميكانيكية غير أدبية حالة كون الرأي المسيحي يصوره بصورة كائن أدبي يتصف بكل الأمور التي يجب أن يتصف بها كائن مثله ويظهر بكل المظاهر التي تقتضيها طبيعته . ومع ذلك فإن سعيه لاختبار تلك الأمور وظهوره بالمظاهر المختلفة لا يؤثران في رفعته ومقامه أبدا ولا يحطان من مجده الأقدس لأن مجده الأقدس يقتضي أمثال تلك الأمور .

وقد رأينا أيضا أنه عندما تؤثر الخطية في العلاقة الكائنة بين الكائن الأعظم ونفوس خليقته الروحية لا يبقى هذا الكائن كما كان قبل دخول الخطية لأنها تؤثر فيه . ولا يستنكف أحد من هذا الكلام لأننا رأينا في مبحث سابق أن المفعولية لا تشين الله أبدا