- ٥٠ -

أن المسيح كان يتكلم الحق وكل ما قال عن نفسه هو حق - وقد أجاد جلال الدين الرومى فى قوله فى المثنوى أن أقوى دليل على الشمس هو وجودها فإن استدللت بها عليها فلا تحول وجهك عنها.

إن من يطالع الإنجيل بإمعان يدرك أنه توجد آيات كثيرة غير تلك الآيات التى تثبت ألوهية المسيح مظهرة ناسوته الكامل وهذا ما نقصده عند التكلم فى تجسد كلمة الله وهذا التعليم لا يقل إيضاحاً فى الإنجيل عن تعليم لاهوت المسيح فمثلاً نقرأ فى بشارة ( يوحنا 1 : 1 – 4 و14 ) " فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله هذا كان فى البدء عند الله كل شىء به كان وبغيره لم يكن شىء مما كان فيه كانت الحيوة والحيوة كانت نور الناس . . . . . والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً " ونقرأ عن المسيح أيضاً فى ( فيلبى 2 : 6 – 8 ) " الذى إذ كان فى صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً فى شبه الناس وإذ وجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب " فالإنجيل ثبت أن تجسد المسيح ليس ظاهرياً فقط بل حقيقياً ولد المسيح ونما فى الحكمة والمعرفة أكل وشرب. ونام وقام. جاع وتعب احتمل الآلام

- ٥١ -

والأحزان. ثم مات على الصليب ودفن وأخيراً قام من بين الأموات كل ذلك ويقول عن نفسه أن الله أرسله وأعطاه كل سلطان فى السماء وعلى الأرض وقد قال أنه لا يعرف اليوم ولا الساعة التى يكون فيها انتهاء العالم وقال أن أباه أعظم من نفسه وكإنسان تقى صلى إلى الله وسأله لكى تعبر عنه الكأس إذا سمحت مشيئته بذلك وأخيراً وهو يشرب غضض الموت على الصليب كرر ما قاله صاحب المزامير " إلهى إلهى لماذا تركتنى " كل هذا يثبت أن المسيح مع كونه كلمة الله الذى كان معه منذ الأزل اتخذ لنفسه هيئة إنسان وطبيعته ولكن كان بلا دنس ولا عيب ( وذلك لأن الخطية لم تكن أصلية فى طبيعة الإنسان ).

إن آيات الكتاب المقدس التى تثبت ناسوت ربنا يسوع المسيح لا تناقض تلك الآيات التى تعلمنا عن ألوهيته ولكن كلها تثبت صريحاً أن المسيح هو إنسان كامل كما أنه إله كامل وهذا مما يجعلنا أن نؤمن بكفارته - فلو كان إنساناً فقط لما كان موته كفارة من أجلنا ولا يكون عندئذ قد أظهر الله محبته للبشر - إن الكتاب المقدس بين أن ألوهية المسيح أظهرت صفاته الإلهية كما أن ناسوته أظهر صفاته البشرية ولم تكن هاتان الطبيعتان الممتازتان مركبتين أو ( مخلوطتين ) بل كانتا فى اتحاد معاً فى يسوع المسيح الواحد - ابن الإنسان وكلمة الله.