- ٤٨ -

المسيح تفرد حقاً بالذات والصفات الإلهية.

ولو كان الأمر غير ذلك لما صادق المسيح على هذه الأقوال بل عدها تجديفاً ولكنه استحسنها بدليل قوله " لأنك رأيتنى يا توما آمنت طوبى للذين آمنوا ولم يروا " وبالإختصار يتضح جلياً مما ذكرناه من الآيات أن المسيح ادعى الألوهية لنفسه بكل صراحة وحق - ولذا فكل من يفتش عن الحق برغبة وبقلب خلو من جميع الأغراض والتعصب ويريد أن يقبل ما يعلمنا به المسيح فى كتابه المقدس فلا يعتريه أدنى شك فيما بعد ولا يقف أمامه مانع ما فى قبول التعاليم الخاصة بألوهية يسوع المسيح كلمة الله.

ولكن ربما يقول البعض أن آخرين غيرالمسيح زعموا فى أنفسهم الألوهية كمنصور الحلاج مثلاً الذى قال عن نفسه " أنا الحق " وربما يقولون أيضاً أنه قام كثيرون فى عصرنا هذا بمثل هذه الإدعاءات كبهاء الله فى العجم وكثيرون من الصوفيين والدجالين والمعتوهين فيسألون لم يكون المسيح محقاً فى دعواه أكثر من هؤلاء؟ - إن اعتراضات كهذه لا تخرج من لسان مسلم حقيقى ولو سألها أحد الكافرين رغبة فى الوقوف على الحق فللرد عليها نقول - إن بعض هؤلاء الناس هم باطنيون وربما عنوا بألوهيتهم أنهم جعلوا إرادتهم

- ٤٩ -

وسلوكهم وإرشاداتهم خاضعة منقادة لله فطبقاً لإرادته المقدسة فإن كانوا قد عنوا ذلك فقط فمن الجهل والخطأ أن يدعى إنسان هذا قصده بأنه هو الله لأن ذلك ما هو إلا تجديفاً.

قد فهمنا تماماً الغرض من ادعاءات المسيح ونؤمن بألوهيته حقاً ونرفض بتاتاً ادعاءات الكذبة لأن ألوهية المسيح مثبتة ومؤيدة ببراهين واضحة لا تقبل التأويل ولا يوجد لدينا أدنى دليل أنه يحق لأحد من الناس بأى وجه من الوجوه أن يدعى أنه الله أو ابن الله أو مظهر الله أو أى صفة أخرى من هذا القبيل فمن من الناس شهدت له الملائكة إثباتاً لدعواه أو نزل له صوت من السماء أو تنبأت الأنبياء فى العهد القديم إعلاناً لمجيئه أو له قوة فائقة لعمل المعجزات أو حدث له التجلى أو قام من بين الأموات أو له السلطان على إعطاء الحياة الروحية للمؤمنين وغفران خطاياهم كى يعيشوا فيما بعد بأمانة حتى الموت أو به تمت النبوات وفوق كل شىء من من البشر له تلك الصفات الجميلة والحياة الطاهرة الكاملة التى كانت للمسيح ذلك النبى المعصوم - ولو تركنا كل شىء يختص بحياة المسيح على الأرض إلا أخلاقه وصفاته المعصومة التى بلا نقص ولا عيب تلك الصفات التى أظهرت للملأ أنه إله جدير بالمحبة والوقار لكانت هى الكافية لتثبت