- ٧٨ -

ما نسميه بالصعوبة الزمنية ومما لا ريب فيه أن الأب البشرى أكبر من ابنه فإذا كان المسيح ابن الله فهل هذا يدل على أنه كان بعد أبيه. إذا كان الأمر كذلك فهو ليس إذاً بأزلى ولا يمكن أن يكون هو الله وإذا كان الأمر خلاف ذلك فكيف يكون المسيح ابناً؟ إن الجواب على هذا السؤال يدركه لأول وهلة كل من أوتى نصيباً من الفهم والإدراك لأن الفرق بين (1 ) عمر الأب البشرى وابنه كائن لأنه من الخلائق المحدودة التى لوجودها بداية وإذا اعتقدنا أن هذا الفرق يسرى على ابن الله فيكون قياسنا هذا محض اختلاق ومن جهة أخرى فإن الكتاب المقدس الذى يعلمنا أن الرب يسوع المسيح هو كلمة الله وابن الله يعلمنا أيضاً أنه كان فى البدء أى ابتداء مع الله وهذا يمحو من أمامنا الصعوبة التى نحن بصددها والتى ترجع إلى عجز الإدراك الإنسانى لعدم مقدرته على إزالة تقسيم الزمن إلى ماض وحاضر ومستقبل من مخيلته مع أنه لمعرفة الله لا حاجة بنا إلى مثل هذا التقسيم فهو أزلى أبدى فقط ومن تأمل فى عبارة " كلمة الله " علم أن " كلمة " " يشير إلى وجود متكلم " ولا يكون المتكلم متكلماً إلا إذا


(1) ملحوظة - الأب البشرى لا يسمى أباً إلا بعد ولادته لابنه فتكون إذا أبوة الآب وبنوة الإبن متساويتين فى القدم.

- ٧٩ -

تكلم وإن نطق الكلمة أو الكلام يحدث فى نفس الوقت الذى يكون فيه الناطق متكلماً ومما لا يحتاج إلى برهان أن المتكلم كائن قبل كلامه ولكن لا يعتبر متكلماً إلا إذا تفوه بكلامه فالتكلم والكلام فى وقت واحد ولزيادة الإيضاح نأتى بمثل آخر أوضح من الأول وهو مثل النور فقد قال يوحنا الرسول أن " الله نور" ( 1 يوحنا 1 : 5 ) وقال يعقوب أنه " أب الأنوار " ( يعقوب 1 : 17 ) وقال المسيح عن نفسه " أنا قد جئت نوراً إلى العالم" ( يوحنا 12 : 46 ) ومما لا جدال فيه أنه عند مقارنة النور بشعاعه لا يوجد بينهما لا متأخر ولا متقدم فلا نور بدون أشعة ولست بمخطئ إذا قلت أن الأشعة هى أشعة النور لأنك تعنى بذلك أنها تتولد من النور ولكنها هى والنور حادثة فى وقت واحد ومن السخافة أن نقول أن هذا النور يتغير أو ينقص لأن الأشعة تتولد منه وزيادة على ذلك فإن النور لا يظهر إلا من أشعته. ومن المسلم أنه لا يمكن مقارنة العلى العظيم بإحدى مخلوقاته وحيث أن حذق ومهارة وصفات الصانع تظهر فى عمله فنحن نتعلم شيئاً عن الله من ذلك النور الذى هو من أعظم وأجمل أعمال الخلق فهل نحن مخطئون بعد فى إيراد هذا المثل طالما الله نفسه ألهمه لعبده فى الكتاب المقدس؟ .