- ١٣٤ -

5 : 23 ) ولكن هذه الثلاثة لا تجعله ثلاثة أشخاص ولا تغير وحدة ذاتيته فروح الإنسان هى النسمة الداخلية التى يمكن أن تكون بواسطتها علاقة مع الله ويقدر أن يستمد منه الإرشاد والقوة التى يحتاجها حتى يعرف ويعمل واجبه الذى عليه أما النفس فهى الحلقة المتوسطة بين الجسم والروح وهى جوهر الحياة Vital principle .

يقول بعض الفلاسفة المسلمين عن الروح أنها النفس الناطقة والعقل المدرك وقالوا عن النفس أنها الروح الحيوانية ولكن يسهل علينا معرفة الفرق بين الروح والنفس بأن نقول أن للحيوانات أنفساً وليست لها أرواح وأن الإنسان سيحيا بعد الموت لأن فيه روحاً ومن تعاليم الكتاب المقدس عن القيامة يتضح أن علاقتنا بالجسد غير وقتية ( أى باقية بعد قيامة الأجساد ) فيجوز لنا والحالة هذه أن نتكلم هكذا عن طبيعة الإنسان الثلاثية ولكننا حتى ولو تركنا الجسد جانباً نجد أن فى ذات الإنسان الداخلية الغير منظورة ثلاثة وجودات هى الروح والنفس والعقل ولا ضرورة بنا أن نذكر الفرق بينها فكلنا مسلم بذلك إنما المهم هنا أن نبين أن التعدد لا يناقض وحدة الإنسان ولفظة أنا تطلق على كل منها.

يقول الإنسان ( أنا أؤمن بالله ) يكون المتكلم حينئذ هو الروح

- ١٣٥ -

ويكون الضمير " أنا " هنا عائداً عليها. ولما يقول " أنا أعيش " تكون النفس حينئذ ناطقة بالضمير عينه " أنا " ولما يقول " أنا أفكر " يكون المتكلم هنا العقل. من هنا يظهر أن ذاتية الإنسان لا تتغير أبداً فهى واحدة على الدوام. إن أخواننا المسلمين يسلمون بالقول أن تعدد الصفات متفقة مع وحدة الجوهر. ولكننا لا نتكلم الآن عن صفات الإنسان وإنما وجد أن تعدد الإنسان الداخلى أى ( روحه ونفسه وعقله ) لا يخالف وحدة شخصيته فمن الخطأ أن يقول أحد أن وجود تعدد مع وحدة مستحيل ويناقض العقل.

يعتقد عقلاء المسلمين كما يعتقد المسيحيون أنه يستحيل إدراك الله كوحدة محضة مطلقة بلا صفات والصفات السامية الكثيرة التى ينسبونها لله تفيد تعدد هذه الصفات فيه وفى هذا يتفق المسلمون والمسيحيون معاً كما أن جميعهم متفقون على وحدة ذاته تعالى ونسلم أيضاً أن تعدد صفات الله لا يغير أبداً فى وحدته. فإن سلمنا بتعدد صفاته لم نستبعد هذا التعليم الذى نحن بصدده أن نؤمن بوجود ثلاثة أقانيم فى الوحدة الإلهية. قال بعض الفلاسفة فى اعتقاداتهم المختصة بوحدة الذات الإلهية أن لا صفات لله وبذلك ينكرون صفات الله الحسنى كمعرفة نفسه وإرادته وقوته لإعلان ذاته.