- ١٤٦ -

الغير مدركة فى كلا التجلى الأول والتجلى الثانى وهم معترفون بأن هذه الذات لا يمكن إدراكها بالفكر والتأمل.

ثانياً - أنهم يميزون التجلى الأول أو التعين الأول عن هذه الذات الغير مدركة بطريقة تجعل الذات ظاهرة للذات عينها ويفرقون بين إدراك الذات وبين الذات كما قال جامى. وخلاصة ما تقدم حسب قول الجيلانى أن التعين الأول يسمى الإدراك العام وقد قال الكاشانى أيضاً فى هذا المقام أن التجلى الأول هو الحضرة الإلهية أو الحضرة الأحدية.

ثالثاً - قد ميزوا بين التجلى الثانى أو التعين الثانى وبين التجلى الأول بأن قالوا أن أعيان الممكنات الثابتة ( أى أصول وحقائق الأشياء المخبية فى ذات الله ) تظهر فقط فى معرفة الله ومعنى ذلك أن الله لما أراد أن يخلق الأشياء أدخلها لأول مرة فى حيز علمه وإرادته فالتجلى إذاً معناه قوة الفعل وإرادة الذات كما أن معنى التجلى الأول هو المعرفة الأبدية للذات هكذا قد رأينا أن بعض علماء المسلمين سعوا فى توضيح ذات الله المقدسة بكونها نوعاً من تثليب لأنهم يفصلون الذات عن العلم والعلم عن قوة الإرادة والفعل ويقولون أن الله لا يعرف إلا من التجلى الأول أو الثانى وبهذا التجلى الثانى ينال عبدة الله راحة وسلاماً

- ١٤٧ -

فى قلوبهم والحقيقة أن كل هذه النظريات الفلسفية بعيدة عن الإسلام نفسه وإنما أفسح لها مفكرو الإسلام مجالاً لعلمهم أن الإيمان بوحدة الله المطلقة المجردة لا يبرهن على خلق الله للعالم بل ينافى عمل الله ويبطل تنزيهه عز وجل وإذ لم يكن لأولئك المفكرين رغبة لتعلم كلمة الله عمدوا إلى الاسترشاد من فلاسفة الوثنيين الذين لم يتوصلوا إلى معرفة الله الحقة. ولنأت هنا بمثالين لبيان وجه الشبه بين النظريات الإسلامية السالف ذكرها والنظريات اليونانية قديماً فقد قال أرسطاطاليس الفيلسوف اليونانى " إن أسمى مظاهر الفلسفة أو علم اللاهوت هى التى تبحث عن ذلك الكائن الأبدى الغير متغير المنزه ومما لا شك فيه أنه يوجد كائن أبدى مبدع كل حركة لا يتغير بل هو مصدر كل تغيير وهو قوة أبدية ضرورية وعليه تتوقف السماء والطبيعة وحيث أن الله منبع الخير ومستقل بذاته فينشغل بالتأمل لأن هذا هو أسمى مظهر من مظاهر الحياة. وحيث لا يوجد من هو أحسن منه فهو يتأمل فى نفسه أيضاً " وتكلم بن هلال الفيلسوف السورى الأصل وكان يكتب باليونانية ما يوافق أقوال أرسطاطاليس(1)

وللفلاسفة الهنود القدماء آراء أخرى عن الذات الإلهية وعن


(1) هذا كلام أرسطو فقط فلا يفهم القارئ أننا نوافق وجوباً على كل أقواله