٣٢ معجزة القرآن

المعجزات ... و صنع موسى المعجزات على عيون الشعب فأمن الشعب" ( الخروج 4 : 18 – 31 ) .

و القرآن نفسه يشهد بأن المعجزات كانت عند موسى دلائل النبوة : " و لقد أرسلنا موسى بأياتنا و سلطان مبين " ( غافر 23 ) ، " و لقد أتينا موسى تسعة أيات بينات " ( الإسراء 101 ، القصص 30 – 36 ، طه 17 : 23 ، الشعراء 30 – 33 ) ، و يفصلها ( الأعراف 104 – 136 ) ، حتى أمن بنو إسرائيل ، و عجز سحرة مصر عن المعارضة ، و سلم فرعون و آمن عند غرقه ( يونس 90 ) . فالمعجزة هى " السلطان المبين " الذى به يشهد الله لنبيه أنه أرسله ليبلغ كلام الله ، فلا نبوة بدون معجزة .

2 - فى الإنجيل

و فى الإنجيل جعل السيد المسيح المعجزات دلائل النبوة : " إن كنت لا أعمل أعمال أبى ( الله ) فلا تصدقونى . و لكن إن كنت أعمالها ، و لا تريدون أن تصدقونى ، فصدقوا هذه الأعمال " ( يوحنا 10 : 37 – 38 ) ، ثم يستشهد بالكتاب لنفسه ، و يستشهد بسابقة يحيى المعمدان ، و لكنه يستشهد خصوصا بأعماله المعجزة : " و إن لى شهادة أعظم من شهادة يوحنا : إن الأعمال التى أتانى الآب أن اعملها ، هذه الأعمال عينها التى أنا أعملها هى تشهد لى بأن الآب ( الله ) قد أرسلنى " ( يوحنا 5 : 36 ) .

و على التخصيص ، كلما أدعى السيد المسيح لنفسه سلطانا إلهيا أكده بالأعمال المعجزة . لما نسب لذاته سلطان الله نفسه على مغفرة الخطايا ، بمناسبة شفاء مقعد فى كفر ناحوم ، أبرأه بكلمة منه على مشهد من الجماهير المزدحمة ، يشهد بهذه المعجزة الخارقة لسلطانه المعجز . أدعى أنه " نور العالم " ، فشفى الأكمة ، أى الأعمى منذ مولده ، شهادة للحقيقة المنزلة معه و فيه . علم أمام الجماهير فى بيت عنيا : " أنا القيامة و الحياة " – و لا يبنس ذلك لنفسه إلا اله أو كافر مجنون – و نادى لعازر الميت من القبر فاحياه شهادة للسلطان الإلهى الذى يدعيه لنفسه . و قد أعطى قيامته الشخصية من الموت و القبر معجزته الكبرى .

و القرآن يصدق شهادة الإنجيل أن رسالة المسيح كانت بتأيد روح القدس و المعجزات : " و أتينا عيسى أبن مريم البينات ، و أيدناه بروح القدس " ( البقرة 87 ) . فامتاز

معجزة القرآن ٣٣

السيد المسيح على سائر المرسلين بتأييد روح القدس الدائم له . ثم يعدد القرآن أربعة أنواع من المعجزات التى يفضل فيها المسيح سائر النبيين : " و رسولا الى بنى إسرائيل أنى قد جئتكم بآية من ربكم : انى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ، و أبرىْْء الأكمة و الأبرص ، و أحيى الموتى بإذن الله ، و أنبئكم بما تأكلون و ما تدخرون فى بيوتكم : إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين " ( آل عمران 49 ) . و توج معجزاته بمعجزة رفعه حيا إلى السماء ، تلك المعجزة الخالدة التى لم يحلم بمثلها نبى و لا رسول ( النساء 158 ) .

3 – فى القرآن

للقرآن فلسفة رائعة فى ضرورة المعجزة لصحة النبوة .

فالقرآن يسمى المعجزة " سنة الأولين " التى لا تبديل لها و لا تحويل " فهل ينظرون إلا سنة الأولين ! فلن تجد لسنة الله تبديلا ! و لن تجد لسنة الله تحويلا " ( فاطر 43 ) . و بدون معجزة لا يوجب الله على الناس الإيمان : " و ما منع الناس أن يؤمنوا ، إذ جاءهم الهدى ، و يستغفروا ربهم ، إلا أن تأتيهم سنة الأولين ، أو يأتيهم العذاب قبلا " ( الكهف 55 ) . فقد امتنع مشركو مكة عن الإيمان بالدعوة القرآنية ، " بالحكمة و الموعظة الحسنة " ، لأنها لم تقترن بالمعجزة المطلوبة ، " سنة الأولين " ، و رضحوا لها بالجهاد فى المدينة " بالحديد الذى فيه بأس شديد م منافع للناس " ( الحديد 25 ) . ففى فلسفة القرآن و فى عرف الناس جميعا ، إن المعجزة سنة النبوة : " لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسول الله " ( الأنعام 124 ) .

لذلك ، إذ يتشدق بعض أهل زماننا بقولهم : " إن حكمة الله أقتضت أن لا تكون الخوارق دعامة لنبوة سيدنا محمد عليه السلام ، و برهانا على صحة رسالته و صدق دعوته 1 " ، فهم إنما يتتقدون حكمة القرآن فى ضرورة المعجزة للنبوة ، و سنة الله فى أنبيائه .

و القرآن يسمى المعجزة أيضا " السلطان المبين " من الله لتأييد أنبيائه : " و لقد أرسلنا موسى بآياتنا و سلطان مبين إلى فرعون و ملئه " ( هود 96 – 97 ) ، " ثم أرسلنا موسى و أخاه


1 الاستاذ دروزة : سيرة الرسول 1 : 226 .