٤٦ معجزة القرآن

ألوف من الآيات . و هذا غير ما فى كتب أهل الكتاب من الاخبار به . و هذه الاجناس الثلاثة غير ما فى شريعته التى بعث بها ، و غير صفات أمته ، و غير ما بذل من المعرفة بسيرته و أخلاقه و صفاته و أحواله . و هذا كله غير نصر الله و إكرامه لمن آمن به ، و عقوبته و انتقامه ممن كفر به ، كما فعل بالانبياء المتقدمين . فإن تعداد أعيان دلائل النبوة مما لا يمكن بشرا الاحاطة به " . لكن القول الفصل فى النبوة و المعجزة هو للقرآن وحده : فهل يشهد القرآن لمحمد بمعجزة ؟

إن الواقع القرآنى المشهود هو " موقف القرآن السلبى " من كل معجزة له .

و قد أوجز هذا الموقف السلبى زعيم أهل السيرة العلمية فى عصرنا ، الاستاذ حسين هيكل فى ( حياة محمد ) : " لم يرد فى كتاب الله ذكر لمعجزة أراد الله بها أن يؤمن الناس كافة على اختلاف عصورهم ، برسالة محمد ، إلا القرآن " . و هى مقالة زعيم أهل كتب الاعجاز ، الباقلانى : " إن نبوة النبى صلعم معجزتها القرآن " . فهى مقالة الاولينو الاخرين بالاجماع : ليس فى القرآن من معجزة سوى اعجازه . فبحسب نص القرآن القاطع ، و اجماع العلماء فيه ، ليس لمحمد من معجزة حسية تشهد لنبوته . هناك اعجاز القرآن وحده يشهد له . و سنرى فى القسم الثانى : هل يعتبر القرآن اعجازه معجزة له ؟ و هل يصلح الاعجاز البيانى معجزة الهية فى النبوة للعالمين ؟

و قد فصل الاستاذ عزة دروزة " موقف القرآن السلبى " من معجزة ، فى ( سيرة الرسول 1 : 225 – 226 ) . قال : " وقف الزعماء ازاء هذا الموقف القرآنى من تحديهم ، و أخذوا يطالبون النبى صلعم بالمعجزات والآيات برهانا على صدق دعواه أولا ، ثم أخذوا يدعمون مطالبهم بتحد آخر ، و هو سنة الانبياء السابقين الذين جاؤوا بالايات و المعجزات ( الاسراء 90 – 93 ، الحجر 6 – 7 ، الفرقان 7 – 8 ، القصص 48 ، الانبياء 5 ) . و قد تكرر طلب الايات من جانب الجاحدين ، أو بالاحرى زعمائهم ، كثيرا ، حتى حكى القرآن المكى عنهم نحو خمس و عشرين مرة صريحة ، عدا ما حكى عنهم من التحدى الضمنى ، و من التحدى بالاتيان بالعذاب و استعجاله و السؤال عنه .

" و لا نعدو الحق اذا قلنا إن من المستفاد من الايات القرآنية المكية أن الموقف تجاه هذا التحدى المتكرر كان سلبيا ، غذغ ما استثنينا الاشارة إلى القرآن كآية كافية ، أو إلى احتوائه

معجزة القرآن ٤٧

ما فى الكتب السماوية كآية على صحة وحى الله به ( الانعام 37 ، يونس 20 ، الرعد 7 ، طه 133 ، الشعراء 197 ، العنكبوت 50 – 54 ، الملك 25 – 26 ) .

" بل هناك ما هو أبعد مدى على الموقف السلبى المذكور : ان المسلمين كانوا يتمنون استجابة الله لتحدى الكفار و إظهار معجزة تبهتهم فيؤمنون برا بايمانهم ( الانعام 7 و 109 – 111 ، الحجر 14 – 15 ) و فى ( الانعام 14 ) آية وجه فيها الخطاب الى النبى صلعم تدل على انه هو نفسه كان يتمنى أن يحدث الله على يده آية تبهت الكفار و تحملهم على الاذعان . و فى سورة ( هود 12 ) آية عظيمة المغزى من ناحية شعور النبى صلعم هذا ، إذ تكشف عما كان يخالج نفس النبى صلعم من حيرة و ضيق بسبب تحدى الكفار إياه بالمعجزات ، حتى لقد كات يترك أحيانا تلاوة بعض ما يوحى إليه عليهم ، أو يكاد صدره يضيق به لتوقعه منهم التحدى . و قد روى الرواة فى صدد الآية ما فيه توضيح أكثر إذ قالوا : إن الكفار كانوا يطالبون النبى صلعم بالمعجزات فلا يستجيب إليهم ، ثم توحى
غليه الآيات القرآنية ، فيسخرون منه ، و يقولون : هلا استنزلت ملاكا أو كنزا ، بدلا من هذه الآيات ؟ فكان يخجل و يتهرب منهم أحيانا .

" و نعتقد أن من السائغ أن يقال : إن هذا الموقف السلبى كان من عوامل تكرر التحدى من جانب الزعماء المكابرين المستكبرين ، و انقلاب أسلوبهم فيه إلى التعجيز حينا ( الاسراء 90 – 93 ) ، و إلى السخرية حينا ( الحجر 6 – 7 ) ، و الالتجاء إلى الله ( الأنفال 32 ) ، كما كان دعامة لصدهم و تعطيلهم و خبث دعايتهم و مكرهم ضد النبى صلعم و دعوته أيضا ، بل لعله كان من أسباب تمسك المعتدلين بجحودهم أولا ، و انجرافهم مع المعاندين أخيرا ...

" نقول ما قلناه و نحن نعرف أن كثيرا من المفسرين قالوا : 1 " آيات سورة القمر الأولى احتوت معجزة انشقاق القمر فعلا بمكة ، و رووا أحاديث عدة مؤيدة لقولهم ، و فى بعضها ما يفيد ان هذه المعجزة قد وقعت جوابا على تحدى الكفار 1 . 2 " إن حادث الاسراء 2 الذى ذكر بصراحة فى الاية الاولى من سورة ( الاسراء ) يسلك فى عداد


1 و نصها " اقتربت الساعة و انشق القمر " صريح ، كما سنرى ، بأن الخبر عن " الساعة " أى اليوم الآخر .
2 و الاسراء بنص الاية كان " ليلا " لم يشاهده أحد ليصح التحدى به كمعجزة . و الكرامة غير المعجزة .