٨٤ الفصل السادس

ﺠ - موقف المحقق من الخط العربي

وهناك حالة خاصة يجب الإشارة إليها . وهي أن الخط العربي قد تطور على مر العصور . "فلا بد إذن من أن نجعل النص يرسم بالرسم الذي نعرفه [اليوم] . وقد أجاز الأقدمون أنفسهم ذلك"17.

فكتابة الهمزة مثلا تغيرت كثيرا خلال العصور ، كما أن حروف المد لم تكن دائما مكتوبة ، الخ . فلا يصح اليوم المحافظة على الرسم القديم للكلمات .

وهذا لا يجيز لنا ، بالطبع ، تغيير أسلوب المؤلف ، وإنما الكلام هنا عن إملاء الناسخ فقط .

فمنهجنا إذاً الأمانة التامة لنص المؤلف ، لاسترجاع أسلوبه الأصلي المخفي وراء أخطاء النساخ وغلطاتهم . "وليكن هدفنا في الجمع18 ، إذا لم نحصل على نسخة المصنف ، الحصول على أقرب شكل ، بعيد عن التحريف والتصحيف ، لما تركه المؤلف"19.

3 – الإشارة إلى حرف المخطوط

أ – إثبات روايات المخطوطات

والأمانة التامة تتطلب منا ألا نغير حرفا واحدا من أي مخطوط ، دون الإشارة إلى هذا التغيير . هكذا نمكّن القارئ من مناقشة تأويلنا للنص ، وتكوين رأيه بنفسه ، فيؤيدنا أو ينتقدنا . وهكذ يتقدم البحث بخطوات راسخة .

ولا يصح أن نشير إلى بعض التغييرات ونغفل عن بعضها ، بحجة أن تلك التي غفلنا عن ذكرها غير مهمة . فقد يكون ما سهونا عن ذكره أهم ، في نظر أحد العلماء ، مما اخترنا ذكره ، كالغلطات اللغوية مثلا ، فإنها تهم اللغوي أكثر من معاني الكتاب .

فالغرض إذا من الحواشي دلالة القارئ على النص الحرفي لكل مخطوط من المخطوطات ، بغاية الدقة .

ولكي يتم ذلك بلا شك ولا لبس ، رأينا أن نخص كل رقم من أرقام الحواشي بكلمة


المستشرقون الحاضرون (أكثر من مائة) . كما لخصنا ذلك في مقدمة تحقيقنا لكتاب ساويرس بن المقفع (القرن العاشر الميلادي) : "كتاب مصباح العقل" تقديم وتحقيق الأب سمير خليل ، سلسلة "التراث العربي المسيحي" رقم 1 (القاهرة 1978) ص 53 – 54 . راجع أيضا صلاح الدين المنجد ص 19 – 20 .
17) راجع صلاح الدين المنجد ص 19 والحاشية الأولى .
18) أي "في جمع المخطوطات ومقارنة بعضها ببعض"
(collation des manuscripts= )
19) راجع صلاح الدين المنجد ص 13 رقم 7 .
منهجنا في تحقيق النص ٨٥

واحدة ، وهي التي تسبقه . فلن تجد أبدا رقما يشير إلى أكثر من كلمة واحدة ، إلا إذا قلنا عكس ذلك (بصريح العبارة) في الحاشية .

ب – يؤخذ بالاعتبار "رسم الكلمة" فقط

وهنا نصادف مشكلة أخرى ، نابعة من طبيعة الخط العربي . فإن نصف الحروف يتميز عن النصف الآخر بمجرد النقط . فلو اضطررنا إلى الإشارة إلى كل مظاهر التصحيف ، لامتلأت الصفحة بها ، دون فائدة . فضلا عن أن المخطوطات القديمة لا تكتب دائما النقط . لذلك ، لا نشير إلى تغيير النقط ، إلا إذا كان لهذا التصحيف أثر في تغيير لمعنى .

وقد قررنا وضع همزة القطع دائما20. وكذلك وضعنا الشدة دائما ، إلا بعد لام التعريف في الحروف الشمسية21. كما أنا وضعنا المَدة دائما .

كذلك أثبتنا الألف المحذوفة في بعض الكلمات ، مثل سليمان (عوض سليمن) وإبراهيم (عوض إبرهيم) وثلاث (عوض ثلث) ، الخ22. ولم نرض بالاستثناء الذي أدخله المجمع العلمي العربي23.

أما التشكيل ، فأضفناه حسب الحاجة . ونخص بالذكر إضافة الضمة في الماضي المجهول (مثلا "وُضع" رقم 122 ، لتمييزها عن المعلوم "وضع") ، وفي مضارع وزن "أفعل" (مثلا "فلنُتْلِ" رقم 243)24.


20) راجع صلاح الدين المنجد ص 19 رقم 1 : "توضع همزة الابتداء دائما ، إذا كانت حركتها تبدل المعنى . مثلا إعلام ، (بكسر الهمزة الثانية)" . أما نحن ، فعممنا القاعدة ، إذ نضع همزة القطع دائما ، سواء كانت في الابتداء أم في غير مكان ، وسواء بدلت المعنى أم لم تبدله . وسبب ذلك لغوي ، وهو أن همزة القطع صامتة (consonne) فيجب كتابتها .
21) راجع صلاح الدين المنجد ص 19 رقم 3 : "يوضع التشديد دائما" . وفي الواقع ، إذا تصفحت النصوص التي حققها الدكتور صلاح الدين المنجد ، لا تجد علامة التشديد بعد لام التعريف في الحروف الشمسية . لذلك حددنا القاعدة .
22) راجع صلاح الدين المنجد ص 19 رقم 4: "تثبت في أسماء الأعلام ألفها المحدوفة كما تكتب اليوم [...]" .
23) راجع صلاح الدين المنجد ص 19 رقم 4ب: "ونذكر هنا أن المجمع العلمي العربي رأى ، عند نشره "تاريخ دمشق" ، إبقاء لأسماء التي وردت في القرآن وحدها على رسمها القديم . مثل إسحق ، إبراهيم [كذا ، والصواب "إبرهيم"] ، إسمعيل" . فلا نرى مبررا لهذا لاستثناء .
24) راجع صلاح الدين المنجد ص 21: "الشكل" . إلا أنا لا نرى ضرورة التمييز بين الآيات القرآنية ، والأحاديث ، والأشعار ، الخ . فنقول بصفة عامة : "كلما صعبت قراءة كلمة ، شُكلت" .