٨٨ الفصل السادس

المؤلف ومنطقه) هي الأهم . وهي الغاية القصوى من التحقيق . ومن لم يصل إليها ، لم يحقق النص تحقيقا علميا تاما .

إلا أن هذه الخطوة الثانية أصعب بمراحل من الخطوة الأولى (أعني : تبليغ القارئ نص المؤلف وحرفه) . وهي تتطلب مجهودا ضخما ، و "معايشة" طويلة مع المؤلف والكتاب ، ومنطقا سليما . وهذه عوامل لا تتوفر للجميع .

لذلك نرى معظم المحققين ، ولا سيما المستشرقين منهم ، أهملوا هذا الجانب من التحقيق . فيقومون بالتحقيق الحرفي ، ويتركون التحقيق المعنوي المنطقي . فينشرون النص خاليا من كل علامات الترقيم ، ومن جميع التقاسيم والعناوين . ثم يبررون موقفهم بادعاء الأمانة للمخطوط ! وقد أشرنا إلى ذلك في غير مناسبة31.

أما المحققون الشرقيون ، وإن كانوا يعترفون بضرورة تقسيم النص إلى فقرات ، وإضافة العناوين ، ووضع علامات الترقيم ، وغير ذلك من الوسائل المنطقية ، إلا أنهم يقومون بهذه المهمة بطريقة ارتجالية ، لا منطقية ، في كثير من الأحيان .

2 – ترقيم النص بأرقام مسلسلة

أ – ضرورة ترقيم النص ترقيما منطقيا ، لا ماديا

أخيرا ، قررنا ترقيم النص بأرقام مسلسلة ، طبقا للمعنى ، على ما فعلناه قبل ذلك في عشرات النصوص العربية المسيحية التي نشرناها .

فإن كان المؤلف قد قسم كتابه إلى أبواب أو فصول ، حافظنا على هذا التقسيم ، ورقمنا الأبواب32. وبعد ذلك ، نقسم كل باب أو فصل إلى فقرات صغيرة (أو آيات) ، ونرقمها بأرقام مسلسلة . فنقول مثلا "مصباح العقل" (لساويرس بن المقفع) 7/34 ، أي الباب السابع ، الفقرة  3334.

أما في النصوص التي لا تقسيم لها في الأصل (كما هو الحال في "المقالة في التوحيد" التي ننشرها هنا) ، فنعطي رقما مسلسلا ، دون مراعاة الأبواب ، إذ إن الأبواب من وضعنا .


31) راجع حاشية 16 من هذا الفصل . وقد ضربنا مثلا على ذلك ، في مقالنا عن ساويرس بن المقفع المنشور في مجلة Orientalia Christiana Periodica 41 (1975)   ص 163 حاشية  2 ب . فقد نشر المحقق نصا يشتمل على نحو 6400 كلمة ، دون أي تقسيم وبوضع علامات ترقيم لا تزيد على عشر !
32) هذا يوافق ما قاله الدكتور صلاح الدين المنجد ، في ص 22 (تقسيم النص وترقيمه) رقم 1 و 3 .
33) راجع ساويرس بن المقفع (القرن العاشر الميلادي) : "كتاب مصباح العقل" ، تقديم وتحقيق الأب سمير خليل ، سلسلة "التراث العربي المسيحي" رقم 1 (القاهرة 1978) ص 57 .
منهجنا في تحقيق النص ٨٩

فنقول مثلا : "توحيد" 246 ، أي الفقرة الموجودة تحت هذا الرقم في صفحة كذا من طبعتنا هذه .

ولا يخفى علينا أن العُرف الجاري هو أن "ترقم سطور النصوص ، شعرا كانت أم نثرا ، خمسة خمسة ، أوثلاثة ثلاثة"34 ، كما قال الدكتور صلاح الدين المنجد .

ولا شك أن هذا النظام أفضل من عدم ترقيم السطور . إلا أنه ترقيم مادي ، لا منطقي . فلم نسترح إليه ، لأسباب نوضحها هنا .

ب – الميزة الأولى : هذا الترقيم صالح مهما اختلفت الطبعات والترجمات

لما كان هذا الترقيم ترقيما ماديا آليا ، أصبح مرتبطا بطبعة معينة . فإن أعيد طبع الكتاب ، اختلفت جميع المراجع ، وتعب القارئ والباحث .

ونضرب لك مثلا بسيطا ، كثيرا ما عانينا منه . إن لكتاب "الفهرست" لابن النديم ثلاث طبعات منتشرة ، بالإضافة إلى ترجمة إنجليزية ذات فوائد عديدة :

• طبعة المستشرق فلوجل Gustav FLUEGEL (لابيتسك Leipzig 1871) .
• طبعة المطبعة الرحمانية بمصر (القاهرة 1929) ، وهي التي استعملناها في هذا البحث .
• طبعة رضا تجدّد (طهران 1971) .
• ترجمة بيارد دودج Bayard DODGE (نيويورك 1970) .

فإذا ذُكرت إحدى الطبعات الثلاث ، أو الترجمة الإنجليزية ، وكانت لديك طبعة أخرى ، لا يمكنك إيجاد النص المطلوب . وإذا أردت أن تذكر نصا لابن النديم ، اضطررت إلى إضافة المرجع الكامل للطبعة المستعملة ، بل إلى ذكر أكثر من طبعة . بينما ، لو رُقّم كتاب "الفهرست" ترقيما منطقيا ، على ما نقترحه هنا ، لا تبالي بأي طبعة ذُكرت أو أي ترجمة استُعملت ، وسهل البحث على الكاتب والقارئ .

ﺠ - الميزة الثانية: هذا الترقيم نهائي ، حتى قبل طبع الكتاب

ولهذه الطريقة مميزات أخرى ، نذكر منها سهولة وضع الفهارس . فإن من يطبع الفهارس يضطر حاليا إلى الانتظار حتى يُطبع الكتاب كله ، ثم يبدأ بتأليف الفهارس بسرعة ، كي لا يؤخر المطبعة . وإن أضاف بعض الفقرات في أثناء طبع الكتاب ، أو إذا اختلفت الصفحات بين طبعة وطبعة بسبب إضافة في المقدمة مثلا أو غير ذلك من التغييرات ، اضطر إلى إعادة العمل كله .


34) راجع صلاح الدين المنجد ص 22 (تقسيم النص وترقيمه) رقم 7