٩٠ الفصل السادس

بينما يستطيع المؤلف ، بفضل الطريقة المقترحة هنا ، أن يقوم بعمله منذ البداية ، بضيغة نهائية ، مهما تغيرت الصفحات فيما بعد .

وكذلك إذا كتبتَ مقدمة لنص تحققه ، أو بحثا عن نص سيُنشر في المستقبل ، لا يمكنك إطلاقا إعطاء مراجع دقيقة مفيدة ، إلا إذا استعملت هذه الطريقة .

د – الميزة الثالثة : هذا الترقيم يمكّن الباحث من مقارنة دقيقة للنصوص المتشابهة

ولما كانت هذه النصوص كثيرة التداول والاستعمال ، وجب إيجاد طريقة سهلة دقيقة لمقارنة النصوص (أو الروايات) بعضها ببعض . نسوق إليك مثالين .

لقد رأينا في الفصل الخامس أن لهذه المقالة في التوحيد مختصرا وضعه صفي الدولة أبو الفضائل ابن العسال (أخو مؤتمن الدولة المذكور أعلاه) . فكيف يمكننا المقارنة الدقيقة بين النص الأصلي ليحيى بن عدي ومختصر صفي الدولة ، إن لم يكن النص الأصلي مقسما إلى آيات صغيرة ؟

كذلك ، لإيليا مطران نصيبين (المتوفي سنة 1046م) ما لا يقل عن سبع مقالات في التثليث ، تشبه بعضها بعضا35 . وقد نقل كثير من المؤلفين المتأخرين فقرات من هذه المقالة أو تلك ، دون ذكر الأصل المنقول عنه . فمن المستحيل ، عمليا ، مقارنة هذه النصوص بعضها ببعض ، كي يظهر وجه الشبه والاختلاف .

ﻫ - استشهاد بما وضع للكتب المُنزَلة

وأوضح دليل على ما حاولنا إثباته هنا أن الكتاب المقدس ، إن لم يكن مقسما إلى فصول وآيات ، لاستحال على الناس ذكره بدقة . وليتصور القارئ لحظة أنه اضطر إلى ذكر الطبعة التي يستعملها في دراسة الإنجيل (مع تعدد اللغات والطبعات) ! فما كان طبيعيا في الإنجيل ، أو الكتاب المقدس ، أو القرآن الكريم ، لماذا لا يكون طبيعيا أيضا في غيرها من النصوص ؟

وهنا أيضا لا يظن المحقق المعاصر أننا أبدعنا بدعة ، إذ فعلنا ذلك . فقد أدخل


35) راجع مقالناعن إيليا مطران نصيبين ، حيث حللنا هذه النصوص :
 
Bibliograpie du: dialogue islamochrétien. Elie de Nisibe (975-1046), In Islamochristiana 3 (1977), p. 257-286.
هذه المقالات السبع هي : المجلس الأول (رقم 1 من تحليلنا) ، المراسلة مع الوزير أبي القاسم (رقم 8) ، رسالة في وحدانية الخالق وتثليث أقانيمه (رقم 9) ، رسالة في الخالق (رقم 10) ، رسالة في حدوث العالم ووحدانية الخالق وتثليث أقانيمه (رقم 11) ، مقالة في معنى لفظ "كيان" ولفظ "إله" (رقم 12) ، كتاب البرهان على صحيح الإيمان ، الفصل الأول (رقم 13) .
منهجنا في تحقيق النص ٩١

العلامة الإسكندري أمّونيس الفصول الصغيرة على الكتاب المقدس (ويتراوح طولها ما بين آية وسبع آيات من تقسيمنا الحديث) ، لتسهيل دراسة الكتب المقدسة ، في بداية القرن الثالث الميلادي !36

وقد اتبع هذا المنهج العالم القبطي صفي الدولة أبو الفضائل ابن العسال ، في تأليف "المجموع الصفوي" للقوانين الكنسية ، الذي وضعه في الشام سنة 1236م . فأعطى رقما مسلسلا لكل قانون ، في كل باب من الأبواب الواحد والخمسين37.

خلاصة الفصل

فمنهجنا إذاً يتلخص في نقطتين :

(1) تصحيح النص لإدراك حرف المؤلف ذاته ، مع الإشارة إلى كل صغيرة وكبيرة ، بحيث يستطيع القارئ أن يعرف فورا ، وبغاية الدقة ، نص كل مخطوط من المخطوطات .
(2) توضيح النص ، بإضافة النقط والفواصل والإشارات ، وتقسيمه إلى فقرات ومقاطع ، وإضافة العناوين الرئيسية والثانوية ، وترقيمه بأرقام مسلسلة ، لإدراك خطة المؤلف ومنطقه .


36) أمّونيوس (AMMONIOS SACCAS) فيلسوف إسكندري توفي بعد سنة 242م بقليل ، وهو أستاذ الفيلسوف الشهي أفلوطين (PLOTIN) . راجع "دائرة المعارف البريطانية" .
Encyclopaedia Britannica, 15th ed. (London, 1978) vol. 1, p. 319 bc.
أما بخصوص "قوانين الأناجيل" فراجع
Mauritius GEERARD, Clavis Patrum Graecorum, II  (Turnhout, 1974), p. 262-263, N˚ 3465.
حيث توجد مراجع عديدة . وانظر أيضا,
 
SAMIR Khalil, Un manuscript arab d’Alep reconnu Le Sbath 1125, in Le Muséon 91 (1978), p. 179-188 (ici p, 184-186 et 189).
37) راجع جرجس فيلوثاوس عوض : "المجموع الصفوي" (القاهرة 1908) . وهذه الطبعة أفضل بكثير من الطبعة الثانية التي اهتم بها مرقس جرجس وطبعها في القاهرة سنة 1927 تحت عنوان : "كتاب القوانين" .