١٢٤ الفصل التاسع

أما الإسكندر الأفروديسي ، فقد ذكر المغنيطس في تفسير "كتاب الجدل" لأرسطو29 . وأما سمفليقيوس ، ففي تفسيره للكتاب الثامن من "السماع الطبيعي"30. وأما يحيى النحوي ، ففي تفسيره للكتاب الثالث من "السماع الطبيعي"31. والمواضع الثلاثة تؤكد الفكرة عينها : إن سبب جذب المغنيطس للحديد خفي .

فلا شك أن يحيى قد تذكر هذه التفاسير ، عند عرض الفكرة . لا سيما وأنه ترجم كثيرا من هذه التفاسير وفسّرها .

3 – المقالة في التوحيد أساس فلسفي للأبحاث اللاهوتية

وكان الكندي قد ردّ على النصارى ، وأبطل تثليثهم ، "على أصل المنطق والفلسفة" ، كما قال في مقدمة رده32. فكان ليحيى أن يوضح رأي النصارى في التثليث "على أصل المنطق والفلسفة" أيضا . وفعل ذلك بتطبيق المبادئ الفلسفية التي كان قد عرضها في "المقالة في التوحيد" ، كما رأينا في الفصل السابق33.

لذلك ترى يحيى ينقد الكندي ، إذ ترك قسمة "الواحد بالعدد" إلى أقسامه الثلاثة : واحد كالمتّصل ، وواحد غير المنقسم ، وواحد بالحد (أي إن القول الدال على ماهيته واحد) . ثم يضيف :

"والنصارى إنما تقول إن البارئ (جل وعز) واحد ، بهذا الضرب الأخير من ضروب الواحد بالعدد ، وهو الذي القول الدال34 على ماهيته واحد35.


29) Cf. Alexandri Aphrodisiensis in Aristotelis topicorum libros octo commentaria, ed Maximilian Wallies. Coll. Commentaria in Aristotelem graeca, vol. II / 2 (Berlin, 1891), p. 63 / 1-2 (in Aristotelem, ed Bekker, p. 103 b 2).
30) Cf. Simplicii in Aristotelis Physicorum libros quattuor posteriors commentaria, ed. Hermann DIELS, coll. Commentaria in Aristotelem graeca, vol. X (Berlin, 1895), p. 1345 / 15-16.
31) Cf. Philoponi in Physicorum octo libros commentaria, ed. Girolamo VITELLI, coll. Commentaria in Aristotelem graeca, vol. X VI-XVII (Berlin, 1888), p. 403 / 22-23.
32) راجع "الرد على الكندي" ص 4/5 .
33) راجع أعلاه ، ص
34) أضافت الطبعة : "عليه" .
35) راجع في هذا المعنى "التوحيد" رقم 267 – 268 .
مكانة "المقالة في التوحيد" في فكر يحيى بن عدي ١٢٥

"وتقول إنه ثلاثة من حيث هو جوّاد حكيم قادر . ففيه معنى الجوّاد ، ومعنى الحكيم ، ومعنى القادر . وكل واحد من هذه المعاني هو غير معنى صاحبَيه . والقول الدال على ماهيته مؤلَف من هذه المعاني الثلاثة فيقال جوهر واحد36 ، جوّاد حكيم قادر37"38.

وكذلك يتهم الكندي بأنه غفل أو تغافل عن ذكر وجه آخر ينقسم عليه الواحد والكثير . "فإنه قد يكون الواحد وحد في الموضوع ، وكثيرا في الحدود"39 ؛ "وقد يكون الواحد واحدا في الحد ، كثيرا في الموضوع"40. فبعد أن ذكر القسم الأول أضاف : "وبهذا الضرب تقول النصارى إن البارئ (تبارك اسمه) واحد"41.

فواضح مما سبق أن يحيى لم يحاول أبدا إظهار موقف النصارى في "المقالة في التوحيد" ؛ إذ هي مقالة عامة صالحة للجميع ، بصرف النظر عن مشكلة التثليث . وإنما يعتمد عليها ، في مباحثه التالية ، لا سيما في "الرد على الكندي" ، لتبرير موقف النصارى .

4 – الخلاصة : المقالة في التوحيد مدخل إلى علم التثليث

وخلاصة القول أن "المقالة في التوحيد" بمثابة مدخل إلى علم التثليث ، كما أن "إيساغوجي" فرفوريوس (PORPHYRE) مدخل إلى علم المنطق .

قال الكندي ، في رسالته "في افتراق المِلَل في التوحيد" ، مشيرا إلى الأسلوب المتّبع في رده على النصارى :

"إنما قصدتُ لذلك (!) من "كتاب المدخل"42 ، لأنه الذي يرتاض به الأحداث ، ويبتدئ به43 المتعلّمون ؛ ليقرب ذلك44 من فهم مَن له أدنى نظر ، وأيسرُ مُعتَبَر . ولأن هذا الكتاب أيضا ، الذي منه استعملنا التوبيخ لهم ، لا يكاد يخلو منه منازلُ


36) سقطت كلمة "واحد" في الطبعة .
37) راجع في هذا المعنى "التوحيد" رقم 371 – 376 .
38) راجع "الرد على الكندي" ص 12/16 – 21 .
39) راجع "الرد على الكندي" ص 13/3 – 4 .
40) راجع "الرد على الكندي" ص 13/8 – 9 .
41) راجع "الرد على الكندي" ص 13/7 – 8 .
42) يعني "إيساغوجي فرفوريوس" ، والترجمة الفرنسية فقدت المعنى ، إذ قال .
: PERIER “Traité de l'Introduction” . راجع "مقالات يحيى بن عدي" ص 124/19 .
43) في الطبعة: "ويبتدأه" [كذا] .
44) في الطبعة: "ذاك" . وقد تبعنا رواية مخطوط باريس عربي 119 .