١٣٦ الفصل العاشر

ظهير الدين البيهقي4 ، أصبح أفضلَ أساتذة عصره و "أوحد دهره" ، كما قال ابن النديم . لذلك أضاف : "وإليه انتهت رئاسة أصحابه5 [الأرسطوطاليين] في زماننا"6.

وقد اعترف بفضله معاصره أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي ، عند كلامه عن الفارابي ، إذ قال : "ولا أعلم في هذا الوقت أحدا يُرجَع إليه في ذلك7 ، إلا رجلا واحدا ، من النصارى ، بمدينة السلام ، يُعرَف بأبي زكريا بن عدي"8.

2 – تأثيره على الفلاسفة العرب غير المسيحيين

ولو تعدّينا مرحلة التعليم ، هل كان ليحيى أثر على الأجيال التالية من المفكرين ، لا سيما على غير النصارى ؟ وما مدى تأثيره عليهم ؟

مما لا شك فيه أن ترجمات يحيى بن عدي لكتب أرسطو ومفسريه ، لا بل تفاسيره له ، قد استعملها الفلاسفة العرب . ولدينا شواهد على ذلك فيما يخص ابن سينا (ت 1037م)9 وابن الصلاح (ت1143م)10 ، وابن رشد (ت1198م)11 ، على سبيل المثل ، لا الحصر .

أما بخصوص آرائه ونظرياته ، فيبدو أن أبا الوليد محمد ابن رشد قد اقتبس بعض نظريات يحيى بن عدي ، وأدمجها في مقالته "في العقل الهيولاني"12 ، وفي كتابه الشهير "تهافت التهافت"13 حيث يرد على الشيخ الإمام الغزالي .


4) راجع "تتمة صوان الحكمة" ، لظهير الدين أبي الحسن علي بن زيد ، طبعة محمد شفيع (لاهور 1935)
Panjab University Oriental Publications Series, 20 ص 90 سطر 6 .
5) والمقصود بهذه الكلمة "أصحابه في الفلسفة" ، لا "أصحابه في الدين والملة" ، كما فهم بيرييه (PERIER) ص 215 -§-1 ، حيث ترجم
"et le plus remarquable des hommes: de sa religion parmi nos contemporains" وفيليب حتّي ("تاريخ العرب" الطبعة الخامسة – بيروت ، دار غندور ، 1974) : "ولقد انتهت إلى يحيى [بن عدي] المذكور رياسة جماعته الدينية" (ص 383/16 – 17) .
6) راجع ابن النديم ، ص 369 سطر 6 – 8 .
7) أي "في علم المنطق والفلسفة" .
8) راجع "التصدير" ، ص 19 – 20 حاشية 6 .
9) راجع بيرييه
(PERIER) ص 50 .
10) راجع أندرس
(ENDRESS) ص 29 – 30 (رقم 1/51) وص 63 – 64 (رقم 4/52) .
11) راجع أندرس
(ENDRESS) ص 27 – 28 (رقم 1/26) .
12) راجع بيرييه
(PERIER) ص 220 – 222 .
13) راجع أندرس
(ENDRESS) ص 77 (رقم 5/33) .
يحيى بن عدي ومقالته في التوحيد في الفكر العربي ١٣٧

كما أن موسى بن ميمون يُشير إلى نظرية يحيى بن عدي الشهيرة ، في الفصل 68 من كتابه "دلالة الحائرين"14 ؛ ألا وهي تشبيه الله المثلّث بالعقل والعاقل والمعقول ؟

وأقوى دليل على أهمية يحيى بن عدي في الفكر الفلسفي الإسلامي ، ما قاله موسى بن ميمون في الفصل 71 من كتاب "دلالة الحائرين" . قال : "فلما جاءت ملّة الإسلام ، ونُقلت إليهم كُتب الفلاسفة ، نُقلت إليهم أيضا تلك الردود التي أُلّفت على كُتب الفلاسفة . فوجدوا كلام يحيى النحوي ، وابن عدي ، وغيرهما ، في هذه المعاني . فتمسّكوا به ، وظفروا بمطلب عظيم بحسب رأيهم"15.

فلم يذكر من الفلاسفة سوى يحيى النحوي (وهو الفيلسوف الإسكندراني الشهير ، الذي عاش في القرن السادس الميلادي ، المعروف ﺑ (JOHANNES PHILOPOUS) ، ويحيى ابن عدي . ولم يذكر مثلا أبا بشر متّى بن يونس أو يوحنا بن حيلان ، معلّمَي الفارابي ، ولا الفارابي نفسه . فتأملْ !

3 – تأثيره على الفلاسفة العرب المسيحيين

أما بخصوص المفكرين المسيحيين ، فيكاد لا يوجد مفكّر منهم إلا وقد تأثّر بمصنّفات أبي زكريا يحيى بن عدي ، لا سيما إذا دار الحديث حول موضوع التوحيد والتثليث .

ومن المستحيل إحصاء هؤلاء المفكرين ، وبالحري توضيح وجه تأثرهم بيحيى . لذلك أكتفي في هذه العجالة بسَرْد أسمائهم ، مع ذكر النص أو النصوص المتأثرة بفكر يحيى . وقد رتّبتُ الأسماء ترتيبا تاريخيا .

1 – أبو علي عيسى بن زُرْعة (ت 1008م)16


14) راجع موسى بن ميمون : "دلالة الحائرين" ، طبعة صموئيل منك (MUNK) ، الجزء الأول (باريس 1856) ص 301 و 310 – 311 (من الترجمة الفرنسية المعروفة بعنوان “Le Guide des égarés”) . راجع أيضا بيرييه (PERIER) ، ص 163 – 164 ، حاشية 2 .
15) راجع "دلالة الحائرين" ج1 ، ص 94 ظهرا ، سطر 11 – 16 (بالحرف العبراني) ، وص 341 من الترجمة الفرنسية .
16) راجع مثلا : "مقالة يحيى بن عدي بن حميد بن زكريا (رضي الله عنه) التي أوعز بالرؤيا إلى تلميذه وشيخنا أبي علي عيسى بن زرعة بتصنيفها عنه ، فصنفها ممتثلا لأمره ، في سنة 368" ، وهي رؤيا في أمر العقل والعاقل والمعقول رآها في ليلة 8/4/979 م . مطبوعة في "سباط" ص 68 – 75 . راجع جراف ، ج2 ، ص 252 – 253 (رقم 1) .