٢ عقيدة الثالوث القويمة

الأرض لا نفتكر في النبات الذي أنبت تلك البذرة وبالنتيجة النبات الذي ينمو منها . وهذا يبين جليا أننا عندما نتكلم عن أب وابن بشريين لا يكون لمعنى التوالد إلا محل ثان في أذهاننا . أما المحل الأول فتشغله اعتبارات أدبية محضة أو علاقات روحية بين كائنين أدبيين ومن تلك العلاقات المحبة (وهي أولها وأهمها) والإكرام والمناجاة المتبادلة والتبادل الكامل المبارك ووحدة الطبيعة والصفات والإرادة والاتفاق في العمل وتناسب الوظائف . هذا وإننا نشير هنا إلى الأبوة والبنوة الكاملتين وهو أمر نادر في هذا العالم . على أننا كثيرا ما رأينا هذه الأمور في الآباء والأبناء الأرضيين . فهل في هذه الصفات في حد ذاتها ما هو مخل بشرف الله الأقدس من الوجهة الأدبية ؟ كلا لعمري . أما كون هذا الأمر يقتضي التعدد فنرجئ الكلام عليه إلى ما بعد . ولكن من الوجهة الأدبية لا نخال أحدا ينكر أن الصفات الأدبية التي ذكرناها تليق جميعها بالله ولا نشك أنه تعالى لهذا السبب استعمل لفظتي الأبوة والبنوة لكي يفهمنا العلاقة بينه وبين كلمته الأزلية . ولولا ذلك لا نصرف العقل إلى تصوير تلك العلاقة صورة فلسفية محضة كما فعل فيلو الفيلسوف اليهودي ولتجردت العقيدة حينئذ من كل

عقيدة الثالوث القويمة ٣

فائدة روحية وأدبية تفيد النفس . ولكن الواقع أن دعوة الله والكلمة أبا وابنا متحدين بروحهما المتبادل قد دفع الإنسان إلى البر والقداسة في المعيشة العائلية وأراه معنى جديدا للمحبة والمشاركة في الأفكار بشرط أن يفسح لهذه الأفكار مجالا رحبا في القلب أيضا ولا يقصره على العقل فقط .

ونرى مما تقدم أننا قد دفعنا نصف الاعتراض الثاني أيضا وهو القائل بأن الأبوة والبنوة تقتضيان التتابع الزمني وأنه بناء على ذلك لا يكون الابن أزليا كالأب بل يكون قد وجد بعده وأن الله أصبح (ولم يكن في الأزل) أبا . ولكن قولنا أن التوالد دون الأبوة لا علاقة له بكائن روحي يقتضي الاعتقاد بأنه لا محل للقول بالتتابع . فإذا حصرنا أفكارنا في الوجهة الأدبية فقط من الأبوة والبنوة مجردتين من التوالد نجدهما متبادلتين متلازمتين وبعبارة أخرى أنها متعاصرتان . وباعتبار الله أزليتان . فإذا سلمنا بأن في الله انتسابات أزلية لم تبق صعوبة في استعمال لفظتي أب وابن في الكلام عن الله وكلمته باعتبار أدبي محض وهذان الآب والابن هما متحدان بروحهما المتبادل أي الروح القدس .

ورب معترض يقول ألا تعلمون أن مسألة الأبوة والبنوة