١٦ عقيدة الثالوث القويمة

ملاشاتها كالحجرة مثلا فإنك تستطيع أن تجزئها إلى شطرين ومع ذلك تظل حجرة كما كانت . وكذلك الآلات الميكانيكية يمكن تجزئتها وتحليل أجزائها بدون ملاشاتها إذ يمكن إعادة تركيبها كما كانت قبلا بدون ملاشاتها أبدا . فترى إذا أن من الأشياء ما يمكن تجزئته بطرق مختلفة بدون ملاشاة جوهرية . أما الأشياء الآلية أو العضوية (انظر الفصل السابق) فإن الحالة فيها تختلف إذ لا يمكن تجزئتها وإنما يستطاع تجزئة مادتها فقط .

ويتضح هذا جليا إذا أخذنا زهرة مثلا وقسمناها إلى شطرين فهل يمكن إعادتها إلى زهرة كما كانت ؟ كلا لأننا في الحقيقة لم نجزئها بل لاشيناها . وما يبقى من القطع المائتة لا يسمى زهرة ولا يمكن جمعها معا كما كانت لأن نفس الزهرة قد تلاشت .

وكذلك اليد إذا بترناها من الجسد لا تبقى يدا بل هي مجموعة لحم وعضلات وعظام في شكل اليد . ولكنها ليست يدا لأن من شروط اليد أن تكون متحدة بالجسم وأن تتصل بالدماغ بواسطة الأعصاب فتشاطر الجسم كله الحياة . أما القول بأن اليد هي جزء الجسم فهو صحيح وغير صحيح في آن واحد . صحيح باعتبار الشكل أي أن اليد تبقى بشكل يد بعد فصلها عن الجسم . وغير صحيح

عقيدة الثالوث القويمة ١٧

باعتبار الجوهر أي أنها لا تعود تؤدي وظيفة اليد . فتسميتها "يدا" هو من قبيل تجريد المسمى عن بعض الاعتبارات وترك البعض الآخر .

فنعيد القول إذا بأن من الممكن تجزئة المادة باعتبارها غير آلية أو عضوية أما العضوية فلا يمكن تجزئتها مع حفظ كيانها بل لا بد من ملاشاتها فيجوز القول بأن الأشياء الآلية لا يمكن تجزئتها بالمرة بل تقطيعها فقط وإفناؤها . ونفس الأشياء الأرضية الآلية لا يمكن تجزئتها ولا تقطيعها لو كانت غير مادية . أما باعتبار المادة في حد ذاتها فيمكن تقطيعها كما قلنا . أما جوهر الله فغير مادي فهو إذا غير قابل للتجزئة بأي معنى كان من معاني الكلمة .

والأشياء الأرضية الآلية إما أن توجد بكمال طبيعتها أو أن تفنى . وليس هناك حالة ثالثة متوسطة كقبول التجزئة كما قلنا . وبما أن الله غير قابل للفناء فلا يمكن أن يوجد إلا بكمال طبيعته ـ أي أنه آب وابن وروح قدس دائما أبدا .

وكما رأينا سابقا أن "العضو" يختلف عن "الجزء" كل الاختلاف إذ لا يحيا إلا متحدا بالكل فكم بالحري لا يجوز أن نعتبر الأب والابن والروح القدس أجزاء (وحاشا لله) بل هم