٣٤ عقيدة الثالوث القويمة

ويفتكر ويتكلم مع أنه في الحقيقة لا وجود له إلا في مخيلة الكاتب الإسلامي . فمن هذين الأمرين لا شك أن الأول يجب أن يختار والثاني يرفض وإذا كانت الحالة كهذه يجب أن يقال أنه إذا كان التنزه المطلق لا يتفق مع خلق الطبيعة فإنه بالأولى لا يمكن أن يتفق مع خلق كائن روحي كالإنسان .

والحق يقال أننا كثيرا ما نرى أن بعضا من أئمة المتمسكين بمذهب التنزيه المطلق يذهبون إلى القول بأن الله هو الحقيقة الوحيدة الكائنة وكل ما سواه وهم . ولهذا يسمون الله "الحق" بمعنى أن كل ما سواه باطل . فهم إذا من القائلين بمذهب وحدة الوجود وهم لا يعلمون. وفلسفتهم أشبه بفسلفة الهنود إذ يعتبرون كل ما في العالم ما خلا الله سرابا زائلا . فنرى أن المغالاة في التنزيه وصل بقائليه إلى تطرف مناقض وإلى توحيد لا يفهم منه أن الله وحيد في نوعه بل إنه "الواحد الذي لا يوجد ثان له" ومنكرا وجود جميع المظاهر الكونية .

هذه هي المشاكل العقلية والأدبية التي تفضي إليها عقيدة الإسلام في الله ولا سيما باعتبار خلق الإنسان . ولو نظرنا إليه تعالى بنظر المسيح فاعتبرناه أبا وابنا وروحا قدسا لزال الإشكال

عقيدة الثالوث القويمة ٣٥

وانتهت الصعوبة . ولقد رأينا أن النظر إليه تعالى باعتبار عقيدة الثالوث واعتباره محبة يسهل لنا اعتباره خالقا للعالم أجمع ولا سيما للإنسان الذي له قوة الفكر والذاكرة ومعرفة النفس كالنفس ومعرفة الغير كالغير والضمير والعقل ـ وبعبارة مختصرة الإنسان الذي له دون سائر المخلوقات (على ما نعلم) عقل وهو قادر على الصلاة وعلى إظهار روح الشكر والمحبة فهو بهذه الاعتبارات على صورة الله وشبهه . وفي الختام لا بد لنا من ذكر الأمور الآتية :-

(١) لو فرضنا أن الله خلق كائنا وأودع فيه صفة الحب حالة كونه تعالى خاليا من المحبة الحقيقية فيكون كأنه قد خلق كائنا أعظم منه لأن المحبة أثمن ما في العالم . ولكننا قد رأينا أن الله محبة فلا عجب أنه أوجد في الإنسان الذي خلقه صفة الحب .

(٢) إذا كان لله غاية في خلقه العالم فهي إظهار مجده تعالى ـ وليس المقصود من "مجده" قوته لأن إظهار القوة في حد ذاتها أمر عقيم . وأما إظهار قوة المحبة فبخلاف ذلك . ولو اقتصر الله على خلق النظام الشمسي فقط أو خلق المملكة المعدنية أو النباتية لكانت الخليقة غير تامة . ولماذا ؟ لأن تلك الخلائق لا يمكنها أن تدرك وجود الله أو أن تحبه أو تمجده أو تسعى لتتمثل به . ولهذا لم