٣٢  

الله الخالق

ولا سيما خالق الإنسان

أما باعتبار خلق الله للطبيعة البكماء فقد يسلم بأن الله لم يقيد نفسه لأنه إنما خلق شيئا تحت مطلق تصرفه قابلا للأثر ولكن غير قادر على إحداث أثر . وأقل حركة منه إنما هي بأمر الله . وبما أن ذلك المخلوق شئ ميكانيكي فليس بينه وبين خالقه أوجه شبه . ولكن ما عسانا أن نقول عن الإنسان خليقة الله العاقلة المتصفة بالعلم والقدرة والوجدان ؟ هل في إمكاننا أن نتغاضى عما بينه وبين الله من أوجه الشبه باعتبار هذه الأمور وكيف تتم المخاطبة بينه وبين الله مع العلم بأن التخاطب يقتضي أن يكون بين المخاطب والمخاطب بعض الشبه ؟ فإذا نظر الحيوان إلى الرسوم الهيروغليفية مثلا فإنه لا يدرك لها معنى ولا يرى فيها سوى علامات مرسومة . ولكن الإنسان إذا نظر إليها أدرك أن لها معنى وذلك لوجود تناسب بينه وبين الذين رسموها . وقس على ذلك النبوة أيضا فإنها تقتضي وجود شبه بين الله والإنسان ـ الأمر الذي ينفيه وينكره

عقيدة الثالوث القويمة ٣٣

التنزيه المجرد على رغم تسليم أنصاره بوجوب التخاطب ـ وفي ذلك من التناقض ما لا يخفى على العقل السليم .

ولكن المسلم يقول أن العالم بما فيه من إنسان وحيوان إنما هو آلة في يد الله . على أن هذا القول لا يزيل المشاكل العقلية التي أشرنا إليها سابقا فضلا عن أن مثل هذه الفلسفة تجرد الله من صفة الحب إذ ليس أحد يحب الآلة الميكانيكية وإن تكن الآلة تحت مطلق قدرته . وكذلك لا معنى للقول بأن الآلة الميكانيكية تحب صانعها حتى على فرض أنها تعقل وتدرك إرادته . ألا ترى أن في الأمر إشكالا يستوجب أحد أمرين ـ فإما أن تسلم بأن عقل الإنسان حقيقي (وفي هذه الحالة لا مناص من القول بأن الله لا يعطي فقط بل يأخذ أيضا . ولا يخاطب فقط بل يخاطب أيضا . ولا يعرف فقط بل يعرف أيضا . ولا يتكلم فقط بل يسمع أيضا) وجميع ذلك نوع من التأثر ويناقض مذهب التنزيه المطلق . أو أن تقول بأن عقل الإنسان ميكانيكي كإرادته فيكون كأنه يظهر أنه يسمع حالة أن الله هو الذي يسمع . ويظهر كأنه يتكلم حالة كون الله هو الذي يكلم نفسه . ويظهر كأنه يعلم حالة كونه يعلم . فوجدانه إذا عدم وذاتيته مضمحلة وهو نفسه يشبه شخصا في رواية يتحرك