٣٠ عقيدة الثالوث القويمة

والذي لا بد منه إذا نسبنا فعل الخلق إلى الله . فهذه الصعوبة تفقد أهميتها عند الاعتقاد بالثالوث إذ قد رأينا أن الذات الإلهية تقتضي وجود علاقات وأن التقيد إنما هو قابلية العلاقات والانتسابات . فجميع الانتسابات هي قيود بنوع ما وتقتضي التأثير والتأثر والفعل والانفعال . والذات (أي الله الذي هو آب وابن وروح قدس) هي مقر تلك الانتسابات المباركة .

ترى لماذا نخشى من التصريح بهذه الأمور ؟ إن المحبة الحقيقية والحرية الحقيقية لا تقتضيان التجرد من القيود والانتسابات . أجل إن المحبة والحرية تقتضيان التقيد الذاتي وقد كان جميع ذلك موجودا في ذات الإله منذ الأزل لأن "الله محبة" ذات أقانيم ثلاثة ـ الآب والابن والروح القدس .

ثم أن الطوبى الحقيقية تلوح من خلال العمل وقبول أثر العمل . فالتأثر لا يحط من شأن الله بل إن الذات تقتضيه والمحبة والطوبى تستلزمانه .

وكذلك العواطف فإن ضمير الإنسان وقلبه وحاجاته تتطلب إلها لا يقف بعيدا غير مكترث بل يكون ذا عواطف على أن عقل الإنسان كثيرا ما حاذر نسبة هذه الصفة الواجبة إلى الله زعما

عقيدة الثالوث القويمة ٣١

منه أن الله منزه عن أن تؤثر فيه أمور الإنسانية البتة . فعقيدة الثالوث التي تقول أن "الله محبة" تبدد تلك المخاوف لأن المحبة وهي في حد ذاتها أسمى أنواع الحياة تقتضي ظهور العواطف المقدسة . فالعواطف إنما هي أمر لازم لكيان الله الأدبي .

فنرى مما تقدم أن المشكل الذي يعترض بعض العقول ـ ومؤداه أن الله معرض للتقيد والتأثر والانفعال (وبالنتيجة للضعف والنقص) قد أزالته عقيدة الثالوث . لأن التعليقات التي ترتبت على خلق العالم لم تكن إلا بالأمر الجديد عند الله إذ كانت أزلية فيه نظرا لوجود الأقانيم . ولم تكن لتحط من مجده تعالى وقد كانت موجودة بقطع النظر عن خلق العالم فهي إذا من كيانه وبواسطتها يعلن ذاته لنا . فلما خلق العالم وأقام تعلقات بينه وبين الأشياء المخلوقة وكل ما يترتب على ذلك من تقيد وتأثير وتعرض للعواطف ـ لم يكن ذلك بالأمر الجديد عليه بل إنما أعلن ذاته لخليقته إعلانا متعلقا بالزمان .

________