٢٨ عقيدة الثالوث القويمة

(١) كيف استطاع الإله الخالق أن ينتقل من حيز التنزه عما سواه إلى قيامه بالخلق وصيرورته خالقا ؟ أليس ذلك "صيرورة" بكل معنى الكلمة ؟

(٢) إن قدرة الله لم يكن يمكن أن تظهر قبل الخلق لأنها إنما ظهرت بالخلق . فالقدرة إذا كانت "إمكانية" لا عاملة . ولا يخفى أن "الإمكانية" لا يمكن أن تغني صاحبها عن العمل بل هي باعتباره نقص . فإذا قلنا أن عمل الخلق كان لازما لإخراج قدرة الله من حيز "الإمكان" وإطلاق حرية العمل فقد نسبنا إلى الله النقص والاعتماد على الغير .

(٣) إن الخلق في هذه الحالة هو بدء علاقة أو نسبة بين الخالق وما سواه . على أن بدء التعلقات هو بمثابة بدء حياة جديدة لكائن ما فهو مناقض لمذهب التنزيه كل المناقضة .

(٤) إن التعلقات بين كائنين تقتضي الأثر أو الانفعال المتبادل بوجه من الوجوه . فالكلام بين اثنين يقتضي أن السامع يسمع صوت مخاطبه . وهذا مخالف لمذهب التنزيه إذ كيف يمكن للاله المطلق أن يخرج عن حيز الفعل ويدخل حيز الانفعال بهذه الكيفية .

عقيدة الثالوث القويمة ٢٩

أما عقيدة الثالوث التي جاء بها المسيح فإنها تقلل هذه المشاكل إن لم نقل أنه تزيلها كما ترى مما يأتي :

(١) إنها تعلن لنا إلها ذا قدرة أزلية ظاهرة من خلال عملها الأزلي . فالمحبة جوهر ذاته وقد كانت عاملة منذ الأزل فيه ولا صفة أشد عملا من صفة المحبة . ولذلك عندما خلق الله العالم لم ينتقل من طور العمل الإمكاني إلى طور العمل الفعلي ـ أي أنه لم يكن هنالك مجال للقول بالصيرورة ـ بل كان يعمل بمقتضى صفته الأزلية . فالخلق كان نتيجة تلك المحبة التي كانت ترغب في وجود سعادتهم وقد كان (أي عمل الخلق) صادرا عن المحبة وهي ملخص مجموعة صفات الذات عاملة لا ممكنة فقط وظاهرة لا كامنة منذ الأزل .

(٢) إن الاعتقاد بإله مثلث الأقانيم يدل على أن خلق العالم لم يكن بدء تعلقات الذات . لأنها تجعل الله ذا علاقات منذ الأزل وتلك العلاقات تفوق أسمى أنواعها المعروفة في الأشياء الحادثة أو المخلوقة على الأرض وليس خلق عالم ذي علاقات حادثة سوى صدى التعلقات الأزلية الكائنة في ذات الله .

(٣) إن الاعتقاد بإله مثلث الأقانيم يزيل الصعوبة الناشئة عن نسبة الانفعال والتقيد والتأثر إلى الله ـ الأمر المناقض للتنزيه المطلق