٤٠ عقيدة الثالوث القويمة

(٦) إن التجسد يفضي إلى القول بضعف الله ومعاناته الآلام

الاعتراض الأول

أوضحنا في دفع الاعتراض الثالث (صفحة ١٥) أنه من الممكن أن ننسب إلى كل من الأقانيم الثلاثة وظائف خاصة به بدون تجزئة الذات وذلك لأن الأقانيم وإن امتازت بعضها من بعض فإنها واحدة في الذات . فكل عمل يأتيه أحدها يجوز نسبته إلى الله الذي هو وحدة الأقانيم . وبعبارة أخرى أن الذات الإلهية إذا أرادت إتيان أمر اتحدت الأقانيم على إرادة ذلك الأمر والدعوة إليه وقضت بإتمامه . ولكن ذلك لا يمنع أن يتم ذلك العمل بواسطة أحد تلك الأقانيم . إذ "لا يعمل الابن من نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل" (يوحنا ١٩:٥) أي أن الآب يعين كل عمل ويشاءه ويشترك في ما يترتب عليه مع أن إتمام ذلك العمل يكون بواسطة الكلمة . فليس في الأمر إذا شئ من المناقضات كما أنه لا مناقضة في قولنا أن زيدا فعل الشئ الفلاني ونحن نعلم أن عقله هو الذي قضى بذلك العمل ولكن يده هي التي نفذته .

واعتبر ذلك في أمر التجسد . فالابن الكلمة هو الأقنوم الذي تجسد . والآب هو الذي أراد ذلك التجسد ورسم خطته وقد

عقيدة الثالوث القويمة ٤١

تم بإلهام الروم القدس وبهذا الاعتبار نستطيع أن نقول بأن اله تجسد ولكننا لا ننسب التجسد إلى أقنوم الآب أو أقنوم الروح القدس .

والمسيحيون يقرون بأن في هذه العقيدة سرا يفوق العقول ولكنه لا يناقضها .

ولنورد لإيضاح ذلك مثلا آخر . فنفسي بملئها هي في يدي التي أكتب بها ولكنها ليست محصورة في اليد . كذلك يقال أن الله بملئه في يسوع المسيح ولكن الذات لم تكن محصورة في شخص الإنسان يسوع المتجسد . وكلا الأمرين سر عظيم .

وإذا أنكر معترض أن نفسي كلها هي في يدي سألته : "أي جزء من نفسي هو في يدي وأي جزء منها ليس كذلك ؟" وهل يمكن تجزئة النفس ؟ كلا ! فقد ثبت إذن أن ملء الذات كان في أقنوم المسيح ومع ذلك لم يكن محصورا فيه .

الاعتراض الثاني ـ التجسد والصيرورة

جاء في الإنجيل قوله "والكلمة صار جسدا" وقد اعترض المعترضون على هذه الآية فقالوا أنها تقول بصيرورة الذات جسدا مع أنه لا يجوز نسبة الصيرورة إليه تعالى لأنه كائن.