٤٢ عقيدة الثالوث القويمة

لاحظ أن الآية لا تقول أن الكلمة تحول إلى جسد . والكنيسة منذ أول عهدها حتى هذا اليوم قد رفضت مذهب الاستحالة بهذا المعنى فإن لاهوت الكلمة لم يتحول إلى جسد بل اتخذ ناسوتا . نعم إن نص الآية يقول أن الكلمة "صار" جسدا . فما معنى ذلك ؟

إن الصعوبة هنا متعلقة بالصعوبة التي أشرنا إليها سابقا أي التي نجدها في إدراك مسئلة الخلق والتعلقات . وبعبارة أخرى أنه مظهر من مظاهر ذلك الإشكال الأصلي . وقد أثبتنا سابقا أن ذلك الإشكال واقع في كلتا النصرانية والإسلامية فلا مسوغ لاعتراض المسلمين على المسيحيين به . بل هو واقع في كل ديانة موحدة يعتقد أتباعها بوجود إله عالم خالق الأرض والسموات .

فكل من نسب الخلق إلى الله فقد نسب إليه الصيرورة بوجه من الوجوه بمعنى أن الله عند خلقه العالم "صار" خالقا .

وإذا قال المعترض بأن الخلق كان في فكر الله وأن فعل الخالق كان بمثابة تنفيذ لذلك الفكر قلنا أن هذا التأويل لا يقلل الإشكال وإن اختلفت الألفاظ فإن الصعوبة تتخذ حينئذ هذا الشكل وهو

عقيدة الثالوث القويمة ٤٣

"أن الذي كان خالقا بالإمكان صار خالقا بالفعل" أو قولنا "إن الذي كان خالقا بالفكر صار خالقا بالعمل" .

والنتيجة أننا إذا سلمنا بأن الخلق تم أي أنه انتقل من حيز العدم إلى حيز الوجود فقد نسبنا إلى الله نوعا من الصيرورة . فيكون الخالق قد انتقل من عدم الخالقية إلى الخالقية وهو ما نعبر عنه بالصيرورة فعلى ذلك لا بأس من القول بأن الكلمة صار جسدا .

الاعتراض الثالث

والاعتراض الثالث هو قولهم أن الاعتقاد بالتجسد يقيد الله بالحدود المكانية .

إن علاقة الله بالمكان وصفة حدود المكان في حد ذاتها من الأمور الخارجة عن حدود التصور . وقد حاول الفلاسفة مرارا أن يحددوا المكان أو يبينوا ماهيته فلم يستطيعوا . فذهب بعضهم إلى أنه شئ حقيقي وآخرون أنه اعتبار مجرد وزعم غيرهم أنه قيد لازم تتجلى فيه الحواس ويتعلق وجوده عليها أي أنه لا وجود للمكان إلا باعتبارها . فهو والحالة هذه وجهة لازمة لحصول الإدراك أو الشعور . ومهما يكن فإن هذا يظهر لك جهل الذي يحاولون أن يتفلسفوا في تبيان علاقة الله بحدود المكان وإظهار ما إذا كان الله