٤٤ عقيدة الثالوث القويمة

تعالى يملأ حيزا أو هو منزه عنه أو متعال عليه . وغاية القول أننا نشغل حيزا ولله تعالى علاقة بنا فله تعلق إذا بالحيز بوجه من الوجوه وليس في وسع الإنسان أن يشرح كيفية ذلك على الإطلاق .

وليت شعري من ذا الذي يستطيع أن يبين كيف يثبت الله علاقته بالحيز المكاني وكيف يحل في ذلك الحيز . وما هي الطريقة لذلك ؟

(١) نرى أولا أن تنازل الله للخلق والتعلق والوحي قد اقتضى ضرورة نسبة الاعتبارات المكانية إليه . بل إن نفس أفكارنا وأقوالنا وأفكار الوحي وأقواله تشهد لهذه الحقيقة . ذلك باعتبار إعلانه لنا بعض الأمور كإشارته إلى "العرش" و "السماء" و"إرسال رسول" و "الرؤية" و "السماع" وغير ذلك من الأمور المنسوبة إليه تعالى فإن لكل من هذه الإشارات وأمثالها تعلقا بالحيز المكاني يمثل لنا صورا مكانية .

ويستوي في هذا كلام المسلم والمسيحي إذ أن كلا منهما يلجأ إلى أمثال تلك الألفاظ للتعبير عن بعض الحقائق . فالمسلم يقول أن الله مستو على العرش تحمله الملائكة وتطوف به ملائكة أسمى وتحيط به من فوق ومن تحت وحواليه ملائكة آخرون وهلم

عقيدة الثالوث القويمة ٤٥

جرا . أفلا يتصور المسلم حيزا مكانيا عند دخوله الجنة ووقوفه أمام الله لدى العرش ومشاهدته وجهه تعالى ؟ لا شك أنه يتصور ذلك . أو ليس في ذلك تقييد بحيث يظهر كأنه مقيد بحيز مكاني وإن لم يكن في الحقيقة كذلك ؟ فكلا التقييد والظهور بمظهر التقيد سواء بهذا الاعتبار . فالله مقيد في اعتبارنا بقيود مكانية . فالله إذا ـ بقطع النظر عن تجسد كلمته ـ مقيد في ذهن الإنسان ومخيلته بقيود مكانية كأنه متجسد تجسدا أعم من التجسد المادي .

(٢) على أننا إذا سلمنا بأن الله يتراءى لأذهاننا كأنه مقيد بحدود مكانية حالة كونه منزها عنها بطريقة لا تدركها العقول وإن ذلك التراءي ينطوي على شئ من الحقيقة أمكننا أن نتدرج من ذلك إلى القول بأن في الإمكان ظهور بهاء الله لعين البشر ظهورا إمكانيا محسوسا بحيث لا يكون ذلك الظهور صورة خيالية فقط بل صورة تدركها الحواس . وبعبارة أخرى أن الله يستطيع أن يظهر بجزء معين من الحيز أكثر من غيره بدون أن يحصر في ذلك المكان . ومن ذا الذي ينكر إمكان ذلك ؟ ألسنا نقول أحيانا ونشعر أن الله "معنا" ؟ وهل ينكر أحدا أنه سبحانه وتعالى تراءى للبشر قديما بصورة نور أو سحابة أو عمود دخان وجعل القوم يعتقدون بحضوره في