٤٨ عقيدة الثالوث القويمة

والمادة من المشاكل العسرة فقد جاء في كتاب المضنون الصغير الموسوم بالأجوبة الغزالية في المسائل الأخروية للغزالي ما يأتي :-

"قيل له (أي للغزالي) وما حقيقة هذه الحقيقة (أي حقيقة الروح) وما صفة هذا الجوهر وما وجه تعلقه بالبدن ؟ أهو داخل فيه أو خارج عنه ؟ أو متصل به ؟ أو منفصل عنه ؟ قال (رضي الله عنه) لا هو داخل ولا هو خارج ولا هو منفصل ولا متصل . لأن مصحح الاتصاف بالاتصال والانفصال الجسمية والتحيز . وقد انتفيا عنه فانفك عن الضدين كما أن الجماد لا هو عالم ولا هو جاهل لأن مصحح العلم والجهل الحياة فإذا انتفت انتفى الضدان . (فقيل له) هل هو في جهة ؟ فقال هو منزه عن الحلول في المحال والاتصال بالأجسام والاختصاص بالجهات فإن كل ذلك صفات الأجسام وأعراضها والروح ليس بجسم ولا عرض في جسم بل هو مقدس عن هذه العوارض . (فقيل له) لم منع الرسول عليه السلام عن إفشاء هذا السر وكشف حقيقة الروح بقوله تعالى قل الروح من أمر ربي ؟ فقال لأن الإفهام لا تحتمله لأن الناس قسمان عوام وخواص . أما من غلب على طبعه العامية فهذا لا يقبله ولا يصدقه في صفات الله تعالى . فكيف يصدقه في حق الروح الإنسانية ؟

عقيدة الثالوث القويمة ٤٩

ولهذا أنكرت الكرامية والحنبلية ومن كانت العامية أغلب عليه ذلك وجعلوا الإله جسما إذ لم يعقلوا موجودا إلا جسما مشارا إليه . ومن ترقى عن العامية قليلا نفى الجسمية وما أطاق أن ينفي عوارض الجسمية فأثبت الجهة . وقد ترقى عن هذه العامية اللاشعرية والمعتزلة فاثبتوا موجودا لا في جهة . (فقيل له) ولم لا يجوز كشف هذا السر مع هؤلاء؟ فقال لأنهم أحالوا أن تكون هذه الصفات لغير الله تعالى . فإذا ذكرت هذا لبعضهم كفروك وقالوا أنك تصف نفسك بما هو صفة الإله على الخصوص فكأنك تدعي الإلهية لنفسك . (فقيل له) فلم أحالوا أن تكون هذه الصفة لله ولغير الله تعالى أيضا ؟ فقال لأنهم قالوا كما يستحيل في ذرات المكان أن يجتمع اثنان في مكان واحد يستحيل أيضا أن يجتمع اثنان لا في مكان . لأنه إنما استحال اجتماع جسمين في مكان واحد لأنه لو اجتمعا لم يتميز أحدهما عن الآخر . فكذلك لو وجد اثنان كل واحد منهما ليس في مكان فبم يحصل التمييز والعرفان ؟ ولهذا أيضا قالوا لا يجتمع سوادان في محل واحد حتى قيل المثلان يتضادان . (فقيل) هذا إشكال قوي فما جوابه ؟ قال جوابه أنهم أخطأوا حيث ظنوا أن التمييز لا يحصل إلا بالمكان . بل يحصل التمييز بثلاثة أمور . أحدها