٥٠ عقيدة الثالوث القويمة

بالمكان كجسمين في مكانين . والثاني بالزمان كسوادين في جوهر واحد في زمانين . والثالث بالحد والحقيقة كالأعراض المختلفة في محل واحد مثل اللون والطعم والبرودة والرطوبة في جسم واحد فإن المحل لها واحد والزمان واحد ولكن هذه معان مختلفة الذوات بحدودها وحقائقها فيتميز اللون عن الطعم بذاته لا بمكان وزمان . ويتميز العلم عن القدرة والإرادة بذاته وإن كان الجميع شيئا واحدا . فإذا تصور أعراضا مختلفة الحقائق فبأن يتصور أشياء مختلفة الحقائق بذواتها في غير مكان أولى" (انتهى)

فواضح مما تقدم أن للروح علاقة مع الحيز المكاني بطريقة لا تدركها العقول . أما القول بأنها منافية للعقول فقول مناف للحقيقة كما رأيت فلماذا لا يجوز أن يوجد بين الله والعالم المادي علاقة تشبه هذه العلاقة وأن تتم تلك العلاقة في تجسد الكلمة ؟

الاعتراض الرابع

ولرب معترض يقول أن التجسد يقيد الإله بحدود الزمن . ولما كان الزمن والحدوث يتضمن كل منهما الآخر فالتجسد يقيد الإله بالحدوث .

فالجواب على هذا الاعتراض شبيه بجوابنا على مشكلة الحيز .

عقيدة الثالوث القويمة ٥١

أي أنه إن كان هنالك إشكال فهو كائن بطبيعة الحال في مسألة خلق العالم . فمجرد القول بأن الله خلق عالما محدودا وهو يديره بنظام محدود يجعل الله مقيدا بالحيز الزمني نوعا ما سواء كان في نظر المسلم أو المسيحي أو اليهودي . وإن أقوال الله وأفعاله وأفكاره إنما تتمثل لنا بصورة متلاحقات زمنية أي أنها أشبه بحلقات متصله بسلسلة الزمان فلها ماض وحاضر ومستقبل . والقرآن من أوله إلى آخره مملوء بذكر حوادث تقيد الله تعالى بالقيود الزمنية إذ يعزو إليه أمورا فعلها أو لا يزال يفعلها أو سيفعلها . ولما كان اللفظ بمثابة مرآة للمعنى وكلمات لله تعبر عن أفكاره فقد قيدنا فكر الله بالصيغ الزمانية . وإذا قيدنا الفكر فقد قيدنا المفكر نفسه . وإذا كان الزمان والحدوث يتضمن أحدهما الآخر فإن الله بتقييده نفسه بنظام زمني قد قيد نفسه بالحدوث .

ولسنا ننكر أن هذه الاستنتاجات لا تفضي بنا إلى كل الحق فإن الله منزه في الحقيقة عن الزمن . ولكن كلا المسلم والمسيحي عاجز عن إدراك هذه الحقيقة . ولهذا لا نرى للمسلم حقا بعزو هذه الشبهة إلى الديانة المسيحية مع أنها كائنة في الديانة الإسلامية أيضا .

وإذا قال المسلم أن تقييد الله تعالى بالحدود الزمنية على الوجه