٥٦ عقيدة الثالوث القويمة

باستخدام القوة البدنية ؟ كلا ! إن طرق حفظ السلطة الأدبية قد تظهر للبعض كأنها صادرة عن ضعف ولكن الوسائط الأدبية مع ضعفها الظاهري أكثر وأدق وأعظم تنوعا من الوسائط المادية .

هذا وإن الهوة العظيمة بين الإسلام والنصرانية هي أن المسلم يجعل العلاقة بين الله والإنسان علاقة مادية (وهذا يجعل الخلائق العاقلة خلائق غير عاقلة) حالة كون المسيحية تجعل الإنسان خليقة أدبية عاقلة ولذلك لا بد أن تكون العلاقة بينه وبين خالقه أدبية أيضا . والسلطة التي يستخدمها الله على الإنسان ليست سلطة مادية مطلقة بل أدبية . وهذا بيت قصيد الخلاف بين الإسلام والنصرانية فمتى زال زال معه كل خلاف آخر لأن ما يراه المسلم ضعفا يراه المسيحي قوة وما يراه ذلك قوة يراه هذا ضعفا . على أن هذه الاختلافات في الآراء تبلغ أشدها عند الكفارة بصلب المسيح . وجبل الجلجثة هو ميدان النضال بين النصرانية والإسلام . فالصلب في نظر المسلم واليهودي هو تجديف على الله لأنه ينسب العجز والضعف إليه تعالى . وأما المسيحي فإنه يرى فيه نصرة لم يشهد العالم مثلها قط لأنه يعلم أن "ضعف" الله أقوى من قوة الإنسان و "ضعف" الوسائط الأدبية أقوى من قوة الوسائط غير الأدبية .

عقيدة الثالوث القويمة ٥٧

إن الحاكم الجائر قد يخضع رعيته لسلطته بالوسائل المادية كالأسلحة والجيوش الخ . ولكن هل هذه هي الطريقة التي يجب أن يستعملها الأب الحكيم مع أولاده ؟ أيجوز له أن يشهر سيفه في وجه طفله عندما يأمره بشئ ؟ ألا يجب أن يستخدم الصبر وطول الأناة والسلطة الأدبية لإخضاعه ؟ قس هذا على ما بين الله والإنسان .

أجل . إن الله يستخدم الصبر وطول الأناة فالصبر يفضي إلى الاحتمال والاحتمال يقتضي "المفعولية" ولا يخفى أن الصفات الأدبية لا يمكن تجريدها من أمثال الصبر والاحتمال والمفعولية وغيرها . وقد جاء في الكتاب المقدس آيات كثيرة تدل على صبر الله وطول أناته كقوله "أم تستهين بغنى لطفه وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة" وقوله أيضا : "في كل ضيقاتهم تضايق وملاك حضرته خلصهم" .

فإذا سلم المسلم بأن الإنسان شرير عاق وأن الله محب رحيم فلا يمكن والحلة هذه أن ينكر الطرق السلمية التي يستخدمها الله لردع ذلك الإنسان الشرير . ومن هنا يتضح لنا أن المحبة والقداسة