٥٤ عقيدة الثالوث القويمة

الاعتراض الخامس

وهو قولهم أن التجسد ينسب الضعف والمسؤولية إلى الله تعالى .

لا يأذن لنا الوقت أن نطيل الكلام على هذا الاعتراض ولكننا سنبحث فيه بالإسهاب عند الكلام عن الكفارة . فيكفي أن نتذكر هنا :

(١) أن المفعولية في حد ذاتها هي من الصفات اللازمة للفاعلية . ولذلك لا بد للإله الحي من الاتصاف بها . وقد أثبتنا سابقا أن إله المسيحيين المثلث الأقانيم هو متصف بكلتا الفعلية والمفعولية في ذاته وهذا يدحض زعم الذين يقولون أن الكفارة تقتضي المفعولية .

(٢) قد أثبتنا أيضا أن انتساب الله إلى العالم واتصاله به يقتضيان المفعولية بمعنى أن الخلق لا يربط فقط المخلوق بالخالق بل يربط أيضا هذا بذاك . وبعبارة أخرى أن تعلق الله بالعالم يقتضي أن تكون العلاقة بين الخالق والمخلوقات عموما (وبين الخالق والمخلوقات العاقلة خاصة) علاقة متبادلة وذلك لأن لكل فعل أثرا لازما والفاعلية لا يمكن أن تتجرد عن المفعولية أبدا .

(٣) أما قولهم أن التجسد ينسب الضعف إلى الله فعار عن

عقيدة الثالوث القويمة ٥٥

الحقيقة لأن العالم الطبيعي غير العالم الأدبي فما يكون ضعفا في ذاك قد يكون قوة في هذا والعكس بالعكس . ولما كان مصدر التجسد مستقرا في العالم الأدبي لم يكن من المدهش أن يظهر للعين البشرية بمظهر الضعف . ولكن "ضعف" الله أقوى من قوة البشر .

الكفارة ـ ملاحظات عامة

قلنا مرارا سابقا أننا حالما نهجر أوجه الأمور الأدبية تتغير اعتبارات الموضوع تغيرا عظيما ولذلك يجب أن نغير طريقة البحث والاستقراء لئلا نسقط في الخطأ فالحيز الطبيعي (أو المادي) يبدأ ببدء العلاقة المتبادلة بين شيئين غير عاقلين (كالعلاقة بين دقائق الحجر) أو بين شيئين أحدهما عاقل والآخر غير عاقل (كالعلاقة بين اللاعب وكرة اللعب) فواضح أن هذه العلاقة أو النسبة المتبادلة هي ميكانيكية محضة ولا صلة لها بالحيز الأدبي . وأما الحيز الأدبي فإن الأفعال أو الصفات الداخلة في منطقته لا بد أن تكون صادرة عن خلائق حية عاقلة ولذلك يجب تغيير اعتبار الضعف والقوة وتنقيحه . ففي الحيز الطبيعي أو المادي مثلا ترى القوة صادرة عن استخدام العضلات أو ما أشبه . فهل نقول أن القوة الأدبية أيضا صادرة عن مثل ذلك المصدر أو بأن حفظ السلطة الأدبية لا يتم إلا