٩ لمـاذا صـرتُ مَسيحيّـاً ؟

رغبتى فى الخـلاص :‏

منذ ذلك اليوم تبدّل موقفى وصرت باحثاً مخلصاً وراء الحق، فبدأت أدرس الكتاب المقدس ‏والقرآن دراسة مقارنة. ولأُرضى ضميرى أخذت نسخة من كتاب "الأفستا" من صديق فارسى، ‏كما اشتريتُ نسخة من ساتيارث براكاش، وبدأت أقارن كل هذه الكتب معاً. بعد قراءة "الأفستا" ‏بعناية تحدثت مع علماء فارسيين، ولكنى لم أجد عندهم طريقاً معقولاً محدداً للخلاص. فاتجهت ‏بعد ذلك لدراسة "الساتيارث براكاش" كما كتبها "سوامى داياناي سارسناتى" الذى يُعتبر المرجع ‏الأساسي لعقائد "أريا ساماج" وفتشت على ضالتى المنشودة. ولكننى وجدت عقائد غريبة أوقفت ‏شعر رأسى، إذ وجدت أن الله لا يمكن أن يغفر الخطيّة. واستغربت كيف ينضم الناس إلى "الأريا ‏ساماج" بينما لا تقدم لهم أى أمل للخلاص، فتعاليم أريا ساماج تقول إن الله لا يمكن أن يغفر ‏خطايا الإنسان التى ارتكبها قبل اعتناقه الأريا ساماج ولا بعد ذلك، ولا مفرّ من العقوبة. كما أننى ‏اكتشفت أن الأريا ساماج تعتبر الخلاص أمراً مؤقتاً لا يمكن أن يضمنه الإنسان. ولما كان ‏الخلاص مؤقتاً فإن الإنسان يعيش فى خوف مستمر من رفض الإله له. إذاً ليس عندهم خلاص ‏لشخص مثلى. فتوقفت عن دراسة "الساتيارث".‏

وكانت أثقل مسئولية تعرضت لها أن أدرس القرآن والحديث لأجد طريق الخلاص. ورفعت ‏يدىّ إلى الله فى دعاء: "اللهم، إنك تعلم أنى بك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، فاغفر لى ‏وارحمنى يا أرحم الراحمين، وأنر قلبى بنورك الذى لا ينطفئ، واهدنى صراطك المستقيم. اللهم ‏إن أحييتنى فأحينى وأنت راضٍ عنى، وإن توفيتنى فأغفر لى فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".‏

لمـاذا صـرتُ مَسيحيّـاً ؟ ١٠

ولم أجد فى دراستى للقرآن جديداً، لأنى درسته من قبل دراسة وافية، وعرفت أن الحصول ‏على الخلاص متوقف على العمل الصالح الذى يؤديه الإنسان. ووجدت عدة آيات تعلن هذه ‏الفكرة، أقتبس للقارئ أربع آيات منها:‏

"أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنّات المأوى نُزُلاً بما كانوا يعملون. وأما الذين فسقوا ‏فمأواهم النار. كلما أرادوا أن يخرجوا منها أُعيدوا فيها، وقيل لهم: ذوقوا عذاب النار الذى كنتم به ‏تكذّبون"‏‎ ‎‏(السجدة٢٠،١٩).‏

"فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يَرَه، ومَنْ يعمل مثقال ذرّة شراً يَرَه" (الزلزلة ٨،٧).‏

وعندما نلقى النظرة الأولى على هذه الأ يات نكتشف أنها جميلة ومشجعة، ولكنها أثارت داخلى ‏سؤالاً: هل يمكن أن يعمل الإنسان الخير دون الشر؟ وعندما فكرت فى شهوات الإنسان ورغباته ‏اتضح لى أنه من المستحيل أن يعمل الإنسان الخير وحده، ولا يمكن أن يكون عمله دائماً عملاً ‏صالحاً فقط. ولقد قال رجال الفلسفة العرب إن هناك أربع ملكات عقلية للإنسان وراء كل أفعاله، ‏ثلاث منها تقوم ضد صالح الإنسان الدينى، وواحدة فقط "هى القدرة الملائكية" التى توجّه الإنسان ‏نحو الله وتعاونه على طاعة أوامره. ولو أن تأثير هذه مخفىّ عن عين الإنسان. أما الثلاثة ‏الأخرى التى تقاوم اتجاه الإنسان إلى الله فهى واضحة، ويسعد الإنسان بها. ولما كان الإنسان لا ‏يرى إلا ما يطفو على السطح، ولا يهتم إلا بالحاضر، ويوجّه انتباهه إلى الأمور الأرضية أكثر ‏من اهتمامه بالأمور الدينية، فقد كتب أحد المسلمين البارزين يقول: "إننى واقع فى شَرَك أربعة ‏أشياء تسبّب سيطرتُها علىّ كل بؤسى وآلامى، هى: الشيطان والعالم والشهوة والجشع. فكيف ‏أحرر نفسى منها، وكلها عدوّتى؟ إن الشهوات الشريرة تدمّرنى وتلقينى فى ظلمة يأس من ‏الحسّيَات والملذات".‏