١٣ لمـاذا صـرتُ مَسيحيّـاً ؟

وهكذا نرى أنّ عندنا برهاناّ أكيداّ أن كل البشر خطاة ما عدا المسيح.‏‎ ‎فكيف أتمكن من ‏الحصول على الخلاص بأعمالى الصالحة، بينما الأولياء والأتقياء والفلاسفة قد فشلوا فى أن ‏يعملوا الصلاح فقط. فاتجهتُ إلى القرآن أفحص تعاليمه مرةً أخرى. ووجدتُ آيتيين قرآنيتين ‏أصابتانى باليأس: "وإنْ منكم إلا واردها. كان على ربك حتماً مقضياً. ثم ننجّى الذين اتّقوا ونَذَرُ ‏الظالمين فيها جِثِيّاً" (مريم٧٢،٧١). ولا يستطيع أحد أن يتخيل مقدار الرعب الذى وقعت فيه بعد ‏قراءة هاتين الآيتين. لقد كنت مريضاً أستشير القرآن كطبيب يقدم لى العلاج، ولكنه بدلاً من ذلك ‏قال لى: "كل واحد لابد أن يدخل الجحيم، وهذا واجب حتمى على الله!".‏

ولكن محبتى للإسلام وتعلّقى به منعانى من أن أتخذ قراراً سريعاً فى هذا الموضوع. وأردت ‏أن أستشير التفاسير على هذه الآية وما يقوله الحديث عنها، لأفهم ما قاله نبى الإسلام نفسه عن ‏هذا الموضوع. وبعد بحث كثير وجدت فى مسند الدرامى عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول ‏الله صلعم: "يَرِدُ الناسُ النارَ ثم يصدرون منها بأعمالهم فمنهم كلمح البصر، ثم كالريح، ثم كحُضْر ‏الفرس، ثم كالراكب المجِدّ فى رَحْله، ثم كشدّ الرجل فى مشيته" (عن تفسير القرطبى لسورة مريم ‏‏(٧٢،٧١). وفى تفسير الطبرى على مريم٧٢،٧١ وجدت التالى: حدثنا أبو كريب، قال: كان أبو ‏ميسرة إذا أوى إلى فراشه، قال: يا ليت أمى لم تلدنى. فقيل: وما يبكيك يا أبا ميسرة؟ قال: "أخبرنا ‏أنّا واردوها، ولم يُخبرنا أنّا صادرون منها".‏

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن إسماعيل، عن قيس، قال: بكى عبد الله بن رواحة فى ‏مرضه، فبكت امرأته، فقال: ما يبكيك؟ قالت: رأيتك تبكى فبكيتُ. قال أبو رواحة: "إنى قد علمت ‏أنى وارد النار فما أدرى أناجٍ منها أنا أم لا".‏

لمـاذا صـرتُ مَسيحيّـاً ؟ ١٤

حدثنا الحسن بن يحي، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن إسماعيل بن أبى خالد، ‏عن قيس بن أبى حازم، قال: كان عبد الله بن رواحة واضعٌ رأسه فى حجر امرأته، فبكى، فبكت ‏امرأته، قال: ما يبكيكِ؟ قالت: رأيتك تبكى فبكيتُ. قال: إنى ذكرت قول الله "وإن منكم إلا واردها" ‏فلا أدرى أنجو منها، أم لا؟ (تفسير الطبرى ـ مريم :٧١).‏

لقد اتضح لى معنى الآية إذاً. لابد أن كل شخص يدخل النار ثم يخرج منها حسب أعماله. ومع ‏أن معنى الآية واضح للغاية فى القرآن، إلا أنى أردت أن أُسند المعنى فى ذهنى بأقوال نبى ‏الإسلام نفسه. وبالرغم من أنه كان يمكننى أن أتوقف عن البحث عند هذه النقطة، إلا أنى قررت ‏أن أستمر فى الدراسة. وبعد بحث وصلت إلى هاتين الآيتين: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة ‏واحدة، ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم. وتمّت كلمة ربك لأملأنَ جهنم من ‏الجنّة والناس أجمعين" (هود ١١٩،١١٨).‏

ولقد صدمتنى قراءة هاتين الآيتين صدمة عنيفة حتى أنى أغلقتُ القرآن وغبت مع أفكارى وقتاً ‏طويلاً. وحتى عندما نمت لم أجد راحة، لأن أفكارى أصبحت كوابيس. كان صعباً علىّ للغاية أن ‏أهجر إيمان آبائى، فقد كان موتى أهون علىّ من ذلك. وحاولت أن أجد طريقة تمنعنى من التفكير ‏فى هذا الموضوع، وتبعدنى عن مواجهة المشكلة، حتى لا أترك دين آبائى. فأخذت أفتش من ‏جديد فى الحديث. ولم يكن هذا الأمر سهلأ، لأن الأحاديث كثيرة وفى مجلدات كبيرة. ولكنى ‏قررت أن أستمر فى الدراسة معتمداً على معونة الله.‏