١٧ لمـاذا صـرتُ مَسيحيّـاً ؟

حدَّثنا رسول الله (صلعم): "إنّ خَلْقَ أحدِكم يُجمَع فى بطن أمه أربعين يوماً، وأربعين ليلة ـ أو ‏أربعين ليلة، ثم يكون عَلَقَة مثله، ثم يكون مُضْغةً مثله، ثم يَبْعَث الله إليه المَلَكَ، فيُؤذَنُ بأربع ‏كلمات: فيكتب رزقَهُ وأجَلَه، وعمله، وشقىّ أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإنّ أحدكم ليعمل بعَمَلِ ‏أهلِ الجنة، حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبِقُ عليه الكتابُ، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخُلُ ‏النار. وإنّ أحدكم ليعمَل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيَسْبِق عليه الكتابُ، ‏فيعملُ عَمَلَ أهلِ الجنّة فيدخُلُها" (الأحاديث القدسية حديث١٠٠) رواه البخارى فى باب بدء الخلق ‏ج ٤، وباب القدر ج ٨، وكتاب التوحيد ج ٩.‏

ثانياً ـ الخلاص بالرحـمة وحـدها

[٢] ووجدت أحاديث أخرى تقول إن خلاص نفس الإنسان يتوقف على رحمة الله وحدها، حتى ‏أن نبى الإسلام يطلب رحمة الله وحدها، شأنه شأن أى إنسان آخر. ولا يمكن أن نبى الإسلام ‏يخلص من خطاياه ما لم تتداركه رحمة الله وتتغمده. فيقول حديث عن عائشة، قالت: يا رسول ‏الله! ما من أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى؟ فقال: "ما من أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله ‏تعالى" ثلاثاً. قلتُ: ولا أنت يا رسول الله؟!.. فوضع يده على هامته فقال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدنى ‏الله برحمته" يقولها ثلاث مرات. رواه البيهقى فى "الدعوات الكبيرات" (مشكاة المصابيح حديث ‏‏١٣٠٥ تحقيق الألبانى).‏

ولقد تعلمت من هذا أنه لا يمكن لإنسان أن يحصل على الخلاص إلا أذا تغمده الله برحمته، ‏فطمأننى هذا الفكر. لكننى عدت أتساءل: إن كان الله رحيماً، فإنه أيضاً عادل. فإذا غفر الله ‏خطاياى برحمته وحدها فإنه بهذا يوقف عمل عدالته. وهذا يعنى وقف عمل عدالته. وهذا يعنى ‏وقف عمل صفة من صفات الله سبحانه. ولا شك أن هذا يُنقص من عظمة الله وكمالاته .‏

لمـاذا صـرتُ مَسيحيّـاً ؟ ١٨

ثالثا ـ علا قة محمـد بالخلاص

[٣] أما الحقيقة الثالثة التى وصلت إليها من "الحديث" فهى أن نبى الإسلام لا يستطيع أن ‏يخلص أى إنسان، حتى ابنته فاطمة أو أهل بيته. وعلى هذا فقد وجدت أن شفاعة محمد فى ‏المؤمنين لاأساس لها، رغم أنى لوقت طويل كنت أؤمن أنها صحيحة. لقد قرأت الحديث التالى من ‏البخارى: ‏

من حديث أبى هريرة قال: قال رسول الله صلعم حين أُنزل عليه "وأنذر عشيرتك الأقربين":"يا ‏معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أُغْنى عنكم من الله شيئأ. يا بنى عبد المطلب، لا أُغْنى ‏عنكم من الله شيئأً. يا عباس بن عبد المطلب، لا أُغْنى عنك من الله شيئاً. يا صفية عمة رسول ‏الله، لا أُغْنى عنكِ من الله شيئاً. يا فاطمة بنت محمد سلينى ما شئتِ لا أُغْنى عنك من الله شيئاً" ‏‏(عن تفسير الطبرى للشعراء ٢١٤).‏

وهكذا وبعد دراسة ممتدة عميقة فى الأحاديث لم يبق لى جديد أكتشفه، فقد عرفت كل ما يمكن ‏أن يُعرف. وهكذا أغلقتُ كتب الحديث. ورفعتُ قلبى إلى الله أدعوه: "إلهى، يا من تعلم السر وما ‏خفى. منك المبدأ وإليك المنتهى. أشكو إليك ضعف قوّتى وقلّة حيلتى، وحيرة قلبى، وزيغة عقلى، ‏ووهن جسدى. اللهم، اهْدِ قلبى لدينك القويم وصراطك المستقيم، وافتح لى أبواب رحمتك يا أرحم ‏الراحمين. اللهم، إنى أسألك بكل اسم هو لك سَمّيْتَ به نفسك أو علّمته أحداً من خَلْقك أو استأثرت ‏به فى علم الغيب عندك، أن تبدّل خوفى أمناً، وحيرتى حقاً ويقيناً. اللهم، هذا جهدى وما أملك، ‏فاجعل منه حقاً أنتهى إليه ويقيناً أحيا به وأموت عليه. إنك سميع مجيب الدعوات".‏