٢١ لمـاذا صـرتُ مَسيحيّـاً ؟

وظللت أفتش وأبحث فى العهد الجديد. قرأته عدة مرات من أوله إلى آخره، فوجدت مئات ‏الآيات وعشرات الأمثال التى تبرهن بغير ظلال من شك أن الخلاص موجود فى الإيمان بالسيد ‏المسيح، وهذا الخلاص يجب أن يكون هدف كل ديانة. فالإنجيل يقول:‏‎ ‎‏"ونحن نعلم أن كل ما تقوله ‏الشريعة إنما تخاطب به الذين هم تحت الشريعة، لكى يُسدّ كل فم، ويقع العالم كله تحت دينونة من ‏الله. فإن أحداً من البشر لا يتبرر أمامه بالأعمال المطلوبة فى الشريعة.‏‎ ‎إذ أن الشريعة هى لإظهار ‏الخطيئة. أما الآن فقد أُعلن البر الذى يمنحه الله مستقلاً عن الشريعة، ومشهوداً له من الشريعة ‏والأنبياء. ذلك البر الذى يمنحه الله على أساس الإيمان بيسوع المسيح، لجميع الذين يؤمنون. إذ لا ‏فرق، لأن الجميع قد أخطأوا وهم عاجزون عن بلوغ ما يمجد الله. فهم يُبَرّرون مجاناً بنعمته ‏بالفداء بالمسيح يسوع، الذى قدمه الله كفّارة عن طريق الإيمان وذلك بدمه" (رومية ٣: ١٩—٢٥).‏

قـرارى واعتـرافى

بناءً على ذلك، وبعد أن أكملت تفتيشى وبحثى كما وصفته هنا، وصلت إلى نتيجة أنى يجب أن ‏أعلن مسيحيَتى. ووجدت أنه من واجبى أن أعرّف الجمعيّة التى أنتمى إليها بما وصلت إليه، ‏ليفكروا فيه، ثم أكون حراً فى متابعة دراساتى علناً، فذهبت إلى الاجتماع كالعادة. وكان موعد ‏مونشى منصور مسيح ليتكلم. ولكنى قاطعته قائلا: "فى هذه المناسبة يجب أن أبدأ أنا بالكلام ضد ‏الإسلام". ثم بدأت أعلن نتيجة دراسة السنوات التى قضيتها فى البحث.‏

واندهش المسئولون عن الجمعية من كلماتى، ولكنهم كانوا ينتظرون أن أنفى كل ما بدأت ‏بقوله. وعندما انتهيت من الكلام وجلستُ وقف نائب الرئيس وقال:

لمـاذا صـرتُ مَسيحيّـاً ؟ ٢٢

 "نرجو أن الرئيس نفسه يهدم ‏ما قاله ويصحح الأخطاء التى قدمها فى حديثه". فوقفت مرة أخرى وقلت: "أرجو أن تستمعوا إلىّ ‏يا أصدقائى، فإنّ ما وضحته ليس شيئا سطحيّاً، ولا مُختلفاً، ولكنه قرار أكيد وقاطع، بنيتهُ على ‏سنوات من البحث. ولأكون واضحاً فلقد بدأ بحثى فى ذلك اليوم الذى قال فيه السيّد مونشى ‏منصور مسيح إننا يجب أن نبحث موضوع الخلاص. ففى ذلك الوقت وعدت الله أنى سأقرأ ‏الكتاب المقدس، لا كما كنت أقرأه من قبل: للإنتقاد والهدم، إنما لأفتش فيه عن الحق، حتى يعلن ‏الله لى طريق التبرير. فأزحت جانباً تعصُّبى وفلسفتى، وجعلت أقارن الأفستا واساتيارث براكاش ‏والكتاب المقدس والقرآن، ووصلت إلى أن الخلاص موجود فى المسيح وحده. وهذا كل ما ‏أستطيع أن أقوله، فإن كان فى بحثى نقص، فإنى أكون شاكراً لكم أيها السادة لو بيّنتموه لى. وإن ‏كنتم تريدوننى أن أسحب ما قلته فإنى أعلن أن لا رجوع عما قلته. ولست أظن أن واحداً منكم ‏يستطيع أن يهدم ما وصلت أنا إليه".‏

وتركت الاجتماع لأنه لم يكن من الحكمة أن أبقى، فتبعنى فوراّ السيد مونشى واحتضننى. ‏وسالت دموع الفرح من عينيه وقال بصوت مرتعش: "يجب أن تأتى معى، فليس من الأمان أن ‏تقضى الليلة بمفردك فى حجرتك". فجاوبته: "إن أعضاء الجمعية من المسلمين المثقفين، ولست ‏أخشى بطشهم". ثم قلت: "ولو أن هناك غيرهم ممن أخاف حماقتهم. سأجىء إلى بيتك مع طلوع ‏الصباح. فإذا تأخرتُ عن ذلك، فأرجوك أن تأتى إلى غرفتى لتفتش عنى". ودخلت غرفتى ‏وأغلقت الباب من الداخل وأطفأت النور، وجلست غارقاً فى أفكارى. وكانت ليلة امتحان. واتّضح ‏أمامى أنى وقد صرت مسيحياً خسرت بلدى وجيرانى وحقوقى وأصدقائى. خسرت كل شيء. ثم ‏أنى سأدخل المجتمع المسيحى المختلف عنى فى العادات والتقاليد وكل شىء. دارت كل هذه ‏الأفكار فى رأسى، فكان من المستحيل أن أنام.‏