ينتهى القرآن المكى بالتحدى الأكبر : " لست مرسلا
" ! فلا يرد التحدى بمعجزة . و لا يقدم لهم اعجاز
القرآن معجزة له . آيته الوحيدة طول العهد بمكة ، إنما
هى شهادة " من عنده علم الكتاب " أى النصارى
" أولو العلم و الايمان " . فلا معجزة اذن فى
القرآن على الاطلاق ، و لا يعتبر اعجازه معجزة له . و
هكذا فالواقع القرآنى يؤكد قول المعتزلة الأقدمين : إن
الله لم يجعل القرآن دليل النبوة .
و كانت الهجرة الكبرى الى المدينة انقلابا فى الرسول
و الرسالة . و تحولت الدعوة " بالحكمة و الموعظة
الحسنة " ، الى الدعوة بالجهلد و الحديد الذى "
فيه بأس شديد و منافع للناس " ( الحديد 25 ) . و
انتقل الجدال من المشركين الى اهل الكتاب من اليهود .
و برز الصراع الخفى مع المنافقين من اهل المدينة .
فى سورة ( البقرة ) ، الأولى ، يستشهد لآخر مرة فى دعوة
العرب باعجاز القرآن : " و إن كنتم فى ريب مما نزلنا
على عبدنا ، فأتوا بسورة من مثله ، و ادعوا شهداءكم من
دون الله إن كنتم صادقين " ( 23 ) . أخيرا يتضح أن
التحدى باعجاز القرآن موجه للمشركين وحدهم . فيجيبونه
: " و قال الذين لا يعلمون ( العرب الأميون المشركون
) لولا يكلمنا الله ! أو تأتينا آية ! – كذلك قال الذين
من قبلهم ( أهل مكة ) مثل قولهم ، تشابهت قلوبهم ! قد
بينا الآيات ( الخطابية ) لقوم يوقنون : إنا أرسلناك بالحق
بشيرا و نذيرا " ( 118 – 119 ) . فموقف أهل المدينة
من ضرورة المعجزة لصحة النبوة كان مثل موقف أهل مكة ،
و كان جواب النبى العربى الدائم : لا معجزة عنده ، إنما
هو بشير بالحق و نذير . لكن اليهود العليمين " بالبينات
و الزبر " أخذوا يردون على دعوى إعجاز القرآن . فقد
لاحظوا التبديل فى آيات القرآن ( النحل 101 ) و النسخ
فى أحكامه ( البقرة 106 ) فأشاعوا بين الناس : إن محمدا
يأمر أصحابه اليوم بأمر و ينهى عنه غدا ( الجلالان ) فنزلت
: " ما ننسخ من آية ، أو ننسبها ، نأت بخير منها
أو مثلها : ألم تعلم أن الله على كل شىء قدير " (
106 ) . و التبديل فى الآيات ، و النسخ فى الأحكام لا
ينسجمان مع الاعجاز فى القرآن . بهذه الآية ( البقرة 106
) نسخ القرآن اعجازه فى الأحكام .
و فى سورة ( الانفال ) ، الثانية ، يصف وقعة بدر ، النصر
الأول فى الاسلام ، " يوم الفرقان ، يوم التقى الجمعان
" ، حيث فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله . فرأى
محمد فى |