و نأخذ عليه أيضا قوله : ان الله لم يؤيد محمدا بالخوارق
لأنها " لم تصلح من قبله وسيلة للإقناع " .
و الانجيل و النوراة شاهدا عدل على فساد هذه النظرية و
على عدم مطابقتها لواقع النبوة : فقد قامت رسالة موسى
و رسالة المسيح على المعجزة ، و بسبب المعجزة آمن بهما
الناس على زمانهما و من بعدهما . هذا من حيث الايجاب .
و من حيث السلب ، فالواقع القرآنى المكى شاهد عدل على
أن أهل مكة تحدوا النبى طول العهد بمكة بالاتيان بمعجزة
ليؤمنوا به : " لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل
الله " ( الانعام 124 ) ، " فليأتنا بآية كما
أرسل الأولون " ( الانبياء 5 ) ، " و أقسموا
بالله جهد ايمانهم : لئن جاءتهم آية ليؤمن بها "
( الانعام 109 ) ، " و ما منع الناس أن يؤمنوا ...
إلا أن تأتيهم سنة الأولين " ( الكهف 55 ) . ففى
عرف القرآن و نصه القاطع ، ان المعجزة " سلطان الله
المبين " الوحيد فى الشهادة لصحة رسالة أنبيائه و
دعوتهم ( هود 96 ، المؤمنون 45 – 47 ، غافر 23 – 24 )
، و أنها " سنة الأولين " فى النبوة و الدعوة
( الكهف 55 ، الأنبياء 5 ) .
3 – هذا ما وصل اليه أيضا الاستاذ دروزة ، فى فصل قيم
موقف القرآن السلبى من كل معجزة . و ختم استشهاد القرآن
بقوله : " ان حكمة الله افتضت أن لا تكون الخوارق
دعامة لنبوة سيدنا محمد عليه السلام ، و برهانا على صحة
رسالته و صدق دعوته – التى جاءت بأسلوب جديد : هو أسلوب
لفت النظر الى الكون و ما فيه من آيات باهرة ، و البرهنة
بها ... ثم اسلوب مخاطبة العقل و القلب ، فى الحث على
الفضائل و التنفير من الرذائل ... و على اعتبار ان الدعوة
التى تقوم على تقرير وجود الله و استحقاقه وحده للعبودية
و اتصافه بجميع صفاتالكمال ، و على التزام الفضائل و اجتناب
الفواحش ، هى فى غنى عن معجزات خارقة للعادة لا تتصل بها
بالذات " ( سيرة الرسول 1 : 226 ) .
فالاستاذ دروزة يشهد بشهادة القرآن عينها " ان
حكمة الله اقتضت أن لا تكون الخوارق دعامة لنبوة سيدنا
محمد عليه السلام " . و نحن نكرر هذا الاعتراف الصريح
الذى ينكر المعجزات مبدئيا وواقعيا فى الدعوة القرآنية
و السيرة النبوية .
لكننا نأخذ عليه تبرير موقف القرآن السلبى من كل معجزة
، و تبرير حكمة هذا الموقف السلبى ، بأن الدعوة القرآنية
" جاءت بأسلوب جديد " فى الدعوة و النبوة ،
يرده الى ثلاث ظواهر :
|